ما افتتنوا به، ويتّخذوه معبدا لهم؛ فلما شاع أمر ذلك الحائط، جاء إليه جماعة من الأمراء المقدّمين، والأعيان من الناس، وحملوا إليه أشياء كثيرة من المأكل والمشارب وغير ذلك.
وفى شهر شعبان، صار القاضى جمال الدين، المحتسب، يفحص عن حقيقة أمر ذلك الحائط، عنها يصدر منه من الكلام، فكان يرسل العجائز إلى بيت ابن الفيشى، وتأتيه بالأخبار فى كل يوم، فأتت إليه فى بعض الأيام وأخبرته أنّ هذا الكلام حيلة مصنوعة من زوجة أحمد بن الفيشى، فأرسل قبض على ابن الفيشى، وعلى زوجته، وعلى شخص من الفقراء كان عندهم، وللناس فيه اعتقاد، يعرف بعمر بن الركن، فلما حضروا بين يديه، حزق على زوجة ابن الفيشى، وعيّن لها الضرب، فخافت منه فاعترفت أنّ زوجها كان يسئ عشرتها، فاحتالت عليه بهذه الحيلة، توهمه بأنّ الجان توصيه بها، فتمّت حيلتها عليه.
فلما سمع المحتسب بذلك، ركب وطلع إلى الأتابكى برقوق، وأخذ ابن الفيشى وزوجته والشيخ عمر بن الركن، فضرب برقوق الرجلين بالمقارع، وضرب المرأة بالعصى نحو ستمائة ضربة، وأمر بهم فسمّروا الثلاثة على جمال، وشهروا بالقاهرة، فكان يوما شنيعا عليهم، حتى بكى الناس على المرأة، فإنّها أركبت على جمل ويداها مسمّرة على الخشب، وهى بإزارها ونقابها، ولم يعهد هذا قط أنّ امرأة سمّرت على جمل (١)؛ واتّفق نزول جمال الدين المحتسب بخلعة خلفهم، فكادت العوام أن ترجمه، وكثر دعاء الناس عليه بسبب ذلك.
وكان قبل ذلك طلع ابن الفيشى إلى الأتابكى برقوق، وعلى رأسه طيلسان صوف أبيض، وقدّم إليه شيئا من الكعك، وقال له:«الشيخ محمد، شيخ الحائط، أرسل لك هذا، وهو يقول لك اتّق الله، واعدل فى الرعيّة، يحصل لك الخير»؛ فانصاغ إلى كلامه، وظنّ أنّه صدق.
وأما الشيخ عمر بن الركن، فإنّ برقوق كان له فيه اعتقاد عظيم، فلما عاشر