قيل لما غزا ماليق بلاد البربر، رأى بها مدينة، وبها جماعة من أهلها، وجوههم كوجوه الإنسان، وأرجلهم مثل حوافر البقر، وعلى أبدانهم شعر كشعر المعز، ولهم أنياب بارزة، كأنياب السباع، فلما حاصرهم لم يقدر عليهم، وأظهروا أشياء عظيمة من سحرهم، فتركهم ومضى.
فلما رجع إلى مصر، حاق سحر أهل قرميدة بمصر، فكثر بها الثعابين والعقارب والضفادع، وفاض النيل فى غير أوانه، حتى غرّق القرى، ودخل الدور، فلما عاين ماليق ذلك، لبس المسوح، وافترش الرماد، وسجد عليه، ودعا إلى الله تعالى بكشف هذه النازلة، حتى أنّها انكشفت عن أهل مصر.
واستمرّ ماليق فى ملكه حتى هلك، ثم تولّى بعده ابنه خرثناه، وكان عالما بعلوم السحر، والكهانة؛ وكان يجلس فى السحاب، ويقيم به ستة أشهر، ثم ظهر من بعد ذلك عند طلوع الشمس، وهى فى برج الحمل، وأشار إلى قومه بأنّه ما بقى يرجع إليهم، وأن يولّوا غيره.
فلما أيسوا منه ولّوا ابنه عديم، وكان من الجبابرة؛ وهو أول من صلب أصحاب الجرائم؛ وكانت له أعمال عجيبة، منها: أنّه عمل قدحا من زجاج أخضر، إذا صبّ فيه ماء، أو غيره، وشرب منه جميع من فى المدينة، لا ينقص منه شئ، ولو أقام دهرا طويلا.
واستمرّ عديم فى ملكه حتى هلك، ثم تولّى بعده منقاش، وكان عالما بعلوم السحر، والكهانة؛ وهو الذى توجّه إلى بلاد (١) المغرب، وانتهى إلى الجبل الأسود الذى ليس له مصعد، فنقب فيه مغائر، ونقل أمواله وتحفه فيها، حتى قيل إنّه نقل من مصر إلى هذه المنائر، اثنتى عشرة ألف عجلة، موسوقة من الجواهر، وستمائة ألف عجلة، موسوقة من الذهب والفضّة؛ ولما هلك دفن فى ذلك الجبل، عند أمواله.
ثم تولّى بعده ابنه قرسون؛ وكان عالما بعلوم الكهانة، والسحر، فمنها أنّه عمل منارة على بحر القلزم، ووضع فوقها مرآة من معادن شتّى، فكان من شأن هذه