للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بنى (١) مدينة أتريب، وإليه تنتسب؛ وهو أول من اتّخذ الكيل والميزان، واستخرج المعادن من الأرض، وسار فى الناس سيرة حسنة.

واستمرّ على ذلك حتى هلك، فاستخلف أخاه صا، وهو الذى بنى (١) مدينة صا، وإليه تنتسب، وهى مدينة كانت على شاطئ بحر النيل، وآثارها باقية (٢) إلى الآن؛ قيل كان بها اسطوانة من رخام أبيض، وعليها مرآة من معادن شتّى، فكان ينظر فيها ما يحدث من الحوادث فى سائر الأقاليم السبعة، من خير أو شرّ.

واستمرّ صافى ملكه حتى هلك، فاستخلف ابنه تدراس، وكان عالما بعلوم السحر، والكهانة، وقيل إنّ صالحا، ، بعث فى أيامه إلى قوم ثمود.

وهو أول من جبى (٣) خراج مصر، وقد بلغ الخراج فى أيامه ألف ألف وخمسين ألف ألف دينار.

وهو أول من أظهر الصيد، واتّخذ الكلاب السلوقية، والجوارح، وكان مولعا بالصيد، وعمل شجرة من حديد ذات أغصان، فكانت تجلب كل صنف من أصناف الطير والوحش إليها، حتى تصاد باليد، فشبع الناس فى أيامه من لحوم الطير والوحش؛ وكان إذا غضب على أهل قرية، سلّط عليهم السباع يقتلونهم (٤) فى بيوتهم.

واستمرّ تدراس فى ملكه حتى هلك، ثم تولّى بعده ابنه ماليق، وكان عالما بعلوم السحر، والكهانة، وهو الذى غزا مدائن البربر، وأسر أهلها، وكان بالبربر مدينة عظيمة، يقال لها قرميدة، وكان بها امرأة ساحرة، فلما حاصرهم ماليق، أظهرت لهم أشياء من سحرها، فطمست عن العسكر مكان المياه، فلم يعرفوها (٥)، فهلكوا بالعطش، حتى مات منهم نحو الثلث، فلما عاين ماليق ذلك، ترك حصار تلك المدينة ومضى.


(١) بنى: بنا.
(٢) باقية: باقى.
(٣) جبى: جبا.
(٤) يقتلونهم: يقتلوهم.
(٥) فلم يعرفوها: فلم يعرفونها.