للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الربعى. - وفيه نقل الأمير كرجى الشمسى من ولاية قليوب، إلى ولاية الغربية.

وقد قدمت الأخبار بأنّ عربان البحيرة خرجوا عن الطاعة، ونهبوا الجرون، فلما تحقّق الأتابكى برقوق ذلك، أخرج لهم تجريدة، فكان بها من الأمراء أحد عشر (١) أميرا، وكان الباش عليهم الأمير أينال اليوسفى، أمير سلاح؛ فلما وصل العسكر إلى البحيرة، فرّوا منهم العرب، فتبعوهم إلى نحو الفيوم، وغنموا منهم أغناما كثيرة، وعادوا الأمراء بعد مدّة يسيرة.

وفى أواخر هذا الشهر، توفّى الشيخ ضياء الدين بن سعد الله القرمى، وكان فاضلا فى علم الطبّ والمعقولات، وكان ذو هيئة غريبة، له لحية طويلة جدّا بحيث أنّها تصل إلى رجليه، فكان إذا نام يجعلها فى كيس، وكان إذا ركب انفرقت حول وجهه فرقتين؛ وقد قال فيه بعض الشعراء هجوا لطيفا، وهو قوله:

ما أحد طالت له لحية … فزادت اللحية فى هيئته

إلا وما ينقص من عقله … أكثر مما زاد فى لحيته

وفى شهر ذى الحجّة، فيه مما وقع من الحوادث، أنّ الأتابكى برقوق، فى يوم الاثنين سادس عشره، استدعى القضاة الأربعة، ومشايخ العلم، والأمراء المقدّمين؛ فلما تكامل المجلس، تحدّث مع القضاة وشيوخ العلم فى حلّ الأراضى الأوقاف قاطبة، التى (٢) على الجوامع والمساجد والمدارس والزوايا والربط، والتى على أولاد الملوك، وأولاد الأمراء وغيرهم، حتى تعرّض إلى الرزق الأحباسية.

ثم قال للقضاة: «هل يجوز بيع الأراضى، وأن تشترى من بيت المال»؟، وأحضر قوائم بما وقف من البلاد بمصر والشام، وبما تملّك منها، فلما قرئت تلك القوائم على القضاة، قال لهم الأتابكى برقوق: «إنّ جيوش المسلمين قد ضعف أمرهم من ضيق أرزاقهم، ولا يجدون بأيديهم ما يدفعون به العدو إذا طرق البلاد».

فأخذ الشيخ أكمل الدين الحنفى فى الكلام مع الأتابكى برقوق، والأمير بركة،


(١) أحد عشر: احدى عشر.
(٢) التى: الذى.