للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانكسر الأتابكى طشتمر بعد المغرب؛ فلما انكسر أخذ فى عنقه منديلا (١) وطلع لبرقوق بباب السلسلة، فقيّده وأرسله إلى السجن بثغر الإسكندرية، ومضى أمره.

فلما كان يوم الاثنين ثالث عشره، عمل السلطان الموكب، وأخلع على الأمير برقوق العثمانى، واستقرّ به أتابك العساكر بمصر، عوضا عن طشتمر العلاى، فكان بين جنديته وأتابكيّته نحو ستة أشهر؛ وأخلع على الأمير أيتمش البجاسى، واستقرّ به أمير آخور كبير، عوضا عن الأمير برقوق.

واستمر برقوق ساكنا بباب السلسلة، وصار يطلع إلى قاعة الأشرفية التى بالقلعة، فى يومى الاثنين والخميس؛ وصار هو والأمير بركة الجوبانى، إليهما ترجع أمور الدولة، من ولاية وعزل، وصار الأمير برقوق، وبركة، يأخذون البراطيل والرشوة (٢) على ولاية الوظائف، التى (٣) تسعى فيها الأنذال والأراذل من أوباش الناس الذين (٤) غير أهلها؛ فمن يومئذ تلاشى أحوال الديار المصرية، والبلاد الشامية، حتى قيل: «برقوق وبركة، ضربا على الدنيا شبكة».

وفى يوم الأربعاء خامس عشره، أرسل الأتابكى برقوق خلف الأمير يلبغا الناصرى، بعد الظهر، وقت القايلة، وأظهر أنّه يأخذ رأيه فى شئ عنّ له فى أمر مهمّ، فركب يلبغا الناصرى من بيته، وطلع إلى باب السلسلة فى نفر قليل من مماليكه، فلما حضر عنده، أشار إليه أن يدخل إلى البيت، ويتخفّف من ثيابه، ويقيم عنده بقيّة يومه، ليفاوضه فى الكلام السرّ بينهما، فقام يلبغا ودخل البيت ليخلع عنه ثياب ركوبه.

فلما استقرّ بالمبيت دخل عليه جماعة من مماليك برقوق، فقبضوا عليه وقيّدوه، وحملوه من وقته، ومضوا به إلى السجن بثغر الإسكندرية، فسجن بها، ومضى أمره؛ وقبض معه فى ذلك اليوم على أمير يقال له: كجلى، أحد أمراء الطبلخانات.

ثم إنّ السلطان عمل الموكب، وأخلع على الأمير أينال اليوسفى، واستقرّ أمير


(١) منديلا: منديل.
(٢) البراطيل والرشوة: كذا فى الأصل، والمعنى واضح، للكلمتين المترادفتين.
(٣) التى: الذى.
(٤) الذين: الذى.