للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى ذلك اليوم، الذى خرج فيه السلطان والأتابكى أينبك، كان يوم وفاء النيل المبارك وكسر السدّ؛ فتفاءلت الناس بأنّه خرج فى يوم الكسر، وكان الفأل بالمنطق، وكسر عقيب ذلك، وردّ مكسورا، كما سيأتى الكلام على ذلك؛ وكان قد ثقل أمره على الناس، وتمّنى (١) كل أحد من الناس زوال الأتابكى أينبك البدرى.

فلما خرج السلطان والأتابكى أينبك، ووصل العسكر إلى بلبيس، فما شعر الناس إلا وقد رجع السلطان من هناك، ودخل إلى القاهرة بعد العصر، وصحبته الأتابكى أينبك، والأمير قطلو آقتمر الطويل، والأمير ألطنبغا السلطانى.

فلما دخل السلطان والأمراء إلى القاهرة على حين غفلة، اضطربت أحوال الناس قاطبة؛ وكان سبب ذلك أنّ النوّاب الذين بالشام كاتبوا الأمراء الذين (٢) بمصر، فكان ما تتضمّنه تلك المكاتبات بتوبيخ الأمراء على إطاعتهم إلى الأمير أينبك، وصار هو صاحب الحلّ والعقد بمصر.

ثم أشيع بين الناس أنّ جاليش السلطان لما وصل إلى بلبيس، فبلغهم أنّ جماعة من المماليك السلطانية قصدوا أن يكبسوا على الأمراء الذين (٢) كانوا فى الجاليش ويقتلوهم، فلما تحقّق الأمراء ذلك، هربوا تحت الليل، ورجعوا إلى القاهرة؛ فلما وصل الأتابكى أينبك إلى بلبيس، وبلغه هذا الخبر، أخذ السلطان ورجع به إلى القاهرة، فطلعا إلى القلعة بعد العشاء، وكثر القال والقيل بين الناس بسبب ذلك؛ وكان رأس هذه الحركة برقوق العثمانى.

فلما كان يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر، [كان] (٣) وثوب العسكر قاطبة على الأتابكى أينبك، فلما تحقّق ذلك نزل من القلعة، والسلطان صحبته، فأجلسه فى المقعد المطلّ على الرملة، وأمر بدقّ الكوسات حربى، ليجتمع العسكر على العادة.

وكان الأمير قطلو آقتمر الطويل، والأمير ألطنبغا السلطانى، وجماعة كثيرة من العسكر، توجّهوا من نصف الليل إلى قبّة النصر خارج القاهرة، ووقفوا هناك للحرب.


(١) وتمنى: وتمنا.
(٢) الذين: الذى.
(٣) [كان]: تنقص فى الأصل.