للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يسمع بوصف الجنّة، فقال: «أنا أبنى لى فى الدنيا جنّة مثلها»؛ فبنى له قصرا على شاطئ النيل، وتناهى (١) فى زخرفه، وأجرى فيه الأنهار من النيل، وفرشه بالفرش الفاخرة، وكان يجلس فيه وحوله النساء الحسان، فبينما هو جالس فى بعض الأيام، والكأس فى يده، فشرق به، ومات من وقته، ودفن فى ذلك القصر الذى بناه.

وتولّى من بعده ابنه أفرؤس، فكان حسن السيرة، عادلا فى الرعية، ولما تولّى بعد أبيه ردّ النساء التى أخذت فى أيام أبيه إلى أزواجهن، وكذلك البنات التى أخذت من سائر البلاد.

ومن أعماله العجيبة، أنّه عمل قبّة على شاطئ النيل، من نحاس أصفر، وجعل حولها أطيارا من ذهب وفضّة، إذا دخل فيها الريح فتصفّر بأصوات مطربة فى لغات شتى.

وكان عنده مدهن من ياقوت أحمر، قطره خمسة أشبار، فكان يشرب فيه الخمر؛ وقد وجد هذا المدهن بعد الطوفان فى بعض البرابى، وصار يتوارثونه الملوك، حتى خفى أمره.

واستمرّ أفروس فى ملكه حتى هلك؛ وتولّى بعده ابنه أفالينوس، فلما ولى بعد أبيه، أظهر العدل فى الرعيّة.

ومن أعماله العجيبة، أنّه عمل منارة، وعلى رأسها قبّة من نحاس أصفر، وطلاها بأدوية مفردة، فكانت إذا دخل الليل، أضاءت تلك القبّة على أهل المدينة، حتى تصير مثل النهار، يمشون الناس فى ضوئها إلى حوائجهم لا يحتاجون إلى السرج، فإذا طلع النهار، وأشرقت الشمس، خمد ضوءها، فلا يفسدها كثرة (٢) الأمطار، ولا اختلاف الرياح؛ وعاش أفالينوس مدّة طويلة، وتزوّج ثلثماية امرأة، ولم يولد له ولد.

فلما هلك، لم يكن له ولد، فتولّى بعده ابن عمّه فرعان، فكان جبّارا عنيدا،


(١) وتناهى: وتناها.
(٢) كثرة: كثرت.