للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفنى الزمان وفى حشاه منهما … غيظ الحسود وضجرة المستثقل

وقوله أيضا:

واعجبا والعجاب من هرم … فى أرض مصر من حكمة القدما

قد أهرم الأرض ثقل وطأته … فهى إلى الله تشتكى الهرما

وقال آخر:

تحقّق إنّ صدر الأرض مصر … ونهداها من الهرمين شاهد

فواعجباه كم أفنت قرونا … على هرم وذاك الثدى ناهد

واستمرّ سورنيد فى ملكه حتى هلك، بعد أن عاش نحو مائتى سنة؛ ثم تولّى بعده ابنه هو جيب، وكان عالما بعلوم الكهانة، والسحر، وقيل هو الذى بنى أهرام دهشور، وحمل إليها أمواله وذخائره.

ومن أعماله العجيبة، أنّه عمل درهما من نحاس وعليه كتابة، ومن شأن هذا الدرهم، إذا ابتاع به صاحبه شيئا، اشترط على البائع أن يزن له ما يبتاعه منه من البضائع، بوزن هذا الدرهم، ولا يزد عليه شيئا، فيغرّ البائع ذلك، ويقبل منه الشرط، فإذا وقع به الوزن، يدخل قبالة هذا الدرهم جميع ما عند البائع من الأصناف، ولا تعد له فى الوزن.

وكان من شأن هذا الدرهم، إذا أراد صاحبه يبتاع به حاجة يقبّله، ويقول له:

«اذكر العهد القديم»، ثم يبتاع به ما أراد، فإذا مضى صاحبه إلى داره، يجد ذلك الدرهم قد سبقه إلى ميزانه، ويجد البائع به مكان الدرهم، ورقة من آس، أو ورقة بيضاء من قرطاس؛ فكان الناس يتعجّبون (١) من شأن هذا الدرهم، وقد وجد فى بعض الكنوز، وحمل إلى خزائن بنى أميّة، وأقام مدّة طويلة، ثم فقد من بعد ذلك بالكلّية.

واستمرّ هو جيب فى ملكه حتى هلك، وتولّى بعده منقاوس، ابنه، وكان جبّارا عنيدا، سفّا كاللدماء، وكان مولعا بحبّ النساء، إذا سمع بامرأة جميلة، أخذها من زوجها غصبا.


(١) يتعجبون: يتعجبوا.