للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما دخل الليل خلا به، وبات يعاقبه أشدّ المعاقبة، ويقرّره على الأموال التى أخذها من الخزائن، والتحف التى كانت فيها، فصار ينكر ذلك، فأحضر له ناظر الخاص شمس الدين المقسى، فحاققه على التحف التى (١) أخذها من الخزائن، وذخائر الملوك السالفة، التى (١) كانت بها، فردّ منها بعض شئ، مما كان أعطاه لأولاده وبناته ونسائه وسراريه.

فلما كان ليلة الثلاثاء سادس ذى القعدة، دخل عليه، نصف الليل، شخص من مماليك الأتابكى ألجاى اليوسفى، يقال له جركس، وكان فى قلبه منه، كونه كان سببا لغرق أستاذه وخراب دياره، فأحضره بين يديه، وخنقه بوتر، حتى مات بعد عذاب أليم، ثم وضعه فى قفّة وأثنى (٢) ظهره نصفين حتى كسره، وخيّط على القفّة بلاس شعر أسود، ونزل من القلعة تحت الليل على حمار، وأرماه فى بئر عند باب الزغلة.

وكانت قتلته فى ليلة الثلاثاء سادس ذى القعدة، من سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، ومات وله من العمر نحو أربع وعشرين سنة؛ وكان مولده سنة أربع وخمسين وسبعمائة؛ وولى الملك وله من العمر نحو إحدى عشرة سنة.

ومات والده سيدى حسين بن الملك الناصر محمد بن قلاون قبل أن يلى ولده السلطنة، ولم يتسلطن سيدى حسين دون إخوته، وإنما تسلطن ولده شعبان هذا.

فكانت مدّة سلطنته بالديار المصرية، والبلاد الشامية، أربع عشرة (٣) سنة وشهرين وواحد وعشرين (٤) يوما، وزال ملكه كأنّه لم يكن (٥)، فسبحان من لا يزول ملكه ولا يتغيّر، فكان كما يقال فى المعنى:

ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض … على الماء خانته فروج الأصابع

ولما رمى السلطان فى البئر، أقام بها أياما، فظهرت له نتنة عظيمة من البئر، فأخرجه بعض جيران تلك الناحية، ودفنوه بالكيمان التى بجانب مشهد السيدة نفيسة.


(١) التى: الذى.
(٢) وأثنى: وأثنا.
(٣) أربع عشرة: أربعة عشر.
(٤) وواحد وعشرين: وإحدى وعشرين.
(٥) لم يكن: لم يكون.