للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خوند بركة، وقيل إنّها مرضعة السلطان، فاختفى عندها.

ثم أشيع فى القاهرة أنّ السلطان قد دخل واختفى فى المدينة؛ فلما نادى نائب الغيبة «من كان يعرف مكانا فيه السلطان ولم يقرّ به يشنق على باب داره، ومن يدلّ نائب الغيبة على مكان فيه السلطان، فله خمسمائة دينار».

فأقام السلطان فى بيت آمنة، بالجودرية، أياما، ولم يشعر به أحد، وصارت القاهرة فى اضطراب، والوالى كل يوم يكبس عليه البيوت والحارات.

ثم إنّ آمنة المذكورة توجّهت إلى عند الأمير أينبك البدرى، واجتمعت به، وقالت له: «إنّ السلطان قد اختفى (١) عندى فى بيتى وأنا خائفة من تبعته، فتؤمّنونى على نفسى وبيتى»؟ فقال الأمير أينبك: «نعم تكونى آمنة على نفسك وبيتك».

ثم إنّ الأمير أينبك أرسل معها مائة مملوك من مماليكه، وهى ملبّسة آلة الحرب، ومعهم أمير يسمّى ألطنبغا السلطانى؛ فلما بلغ والى القاهرة ذلك تبعهم بمن معه من القوّاسة والجبلية، فتوجّهوا إلى حارة الجودرية، وكبسوا بيت آمنة، فهرب السلطان، وطلع إلى سطح الدار؛ فلما دخلوا لم يجدوا فى الدار أحدا (٢)، فصعدوا إلى السطح، فهرب السلطان منهم، واختفى فى البادهنج، وهو بطاق القميص، فقبضوا عليه؛ والذى كان خائفا منه وقع فيه، فكان كما يقال:

عرفت الليالى قبل ما صنعت بنا … فلما دهتنا لم تزدنا بها علما

ولما قبضوا على السلطان من بيت آمنة، نهبوا كل ما فى بيتها، حتى فكّوا الرخام، وأخذوه من البيت، ثم نهبوا بيوت الجيران ضميمة لبيتها (٣)، وذلك من جماعة الوالى.

فلما قبضوا على السلطان، ألبسوه سلاحا، وأركبوه على فرس، ثم ستروا وجهه بمنديل، وخرجوا به من باب سعادة، وصعدوا به إلى القلعة، فتسلّمه الأمير أينبك البدرى.


(١) اختفى: اختفا.
(٢) أحدا: أحد.
(٣) ضميمة لبيتها: يعنى بالإضافة إلى بيتها.