الأمير أرغون شاه، رأس نوبة النوب، وشكوا له من السلطان، فوعدهم أنّه يتحدّث لهم مع السلطان؛ فانصرفوا من عنده وتوجّهوا إلى عند الأمير طشتمر، الدوادار، وقالوا له:«إن لم ينفق علينا السلطان وإلا وثبنا عليه الليلة وقتلناه».
فركب الأمير طشتمر، الدوادار، وجاء إلى عند السلطان، وذكر له ما قالوه المماليك، فغضب منه السلطان، وسبّه، وهدّده؛ فقام من عنده، وقد أحدق المماليك بخامه، ينتظرونه فى ردّ الجواب.
فلما أخبرهم بما قاله السلطان، فهاجت حفائظهم، وتحرّكت أحقادهم، فتواعدوا قاطبة على قتل السلطان، ولبسوا السلاح، وأتوا إلى عند الأمير طشتمر، وقالوا له:
«قم واركب معنا»، فلم يوافقهم على ذلك، فسلّوا عليه السيوف وأركبوه غصبا، هو والأمير مبارك الطازى، والأمير صراى تمر المحمدى، والأمير قطلو آقتمر العلاى، المعروف بالطويل.
فلما ركبوا، وقصدوا خام السلطان، وكان بعد العشاء، وهو جالس يتحدّث مع خاصكيته، وإذا بضجّة عظيمة قامت بين الخيام، فبعث من يكشف له الخبر، فقيل له:«قد ركب العسكر قاطبة»، فأمر من كان عنده من الخاصكية يلبس السلاح، فما تمّ كلامه حتى هجموا على خيمته التى هو فيها، وقطعوا أطنابها، فأمر السلطان بأن تطفأ الشموع التى قدّامه، وخرج هاربا من الخيمة على وجهه، لا يدرى إلى أين يتوجّه.
ثم ركب تحت الليل، هو وجماعة من الأمراء، وهم: الأمير بيبغا السابقى، والأمير بشتاك الكريمى، المعروف بالخاصكى، والأمير أرغون العزّى، والأمير يلبغا الناصرى، والأمير ألطنبغا فرفور، والأمير طشبغا؛ وكان ذلك فى ليلة الخميس ثامن شهر ذى القعدة، وليس مع كل أمير سوى مملوك واحد.
فلما قطعوا طريق العقبة؛ وإذا بمقدّم الهجّانة محمد بن عيسى، شيخ العايد، قد أتاهم وصحبته اثنى عشر هجينا، فنزل السلطان ومن معه من الأمراء، من على ظهور الخيول، وركبوا الهجن، وساروا قاصدين القاهرة.
فلما سمع الأمراء ذلك، خرجوا على حمية، حتى يلاقوا السلطان والأمراء، فتلاقوا