للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن مضى الطوفان ونحن فى الدنيا، فترجع إلينا أموالنا وذخائرنا، وإن نحن متنا فى هذا الطوفان، فتكون هذه الأهرام قبورا لأجسادنا؛ وقد أوسعت (١) فى أخبار الأهرام فى أول التاريخ، عند قصّة نوح، .

قال ابن عبد الحكم: لم أجد عند أحد من أهل المعرفة، عن الأهرام، خبرا يثبت عن بانيها (٢)، وفى أى وقت بنيت، وما السبب فى ذلك؛ وقد قال القائل فى المعنى:

حسرت عقول أولى النهى … واستصغرت لعظيمها الأهرام

ملس ممنّعة البناء شواهق … قصرت لعال دونهن سهام

لم أدر حين كبا التفكّر دونها … واستوجبت لعجيبها الأوهام

أقبور أملاك الأعاجم هنّ أم … طلسم رمل كنّ أم أعلام

وقد بنيت هذه الأهرام فى طالع سعيد، ووكّلوا بها روحانية، تحفظ ما فيها من الأموال إلى آخر الزمان، وأخبار الأهرام لا تحصى؛ قال ابن عبد الحكم: وجد على الأهرام مكتوبا بالخطّ القديم، وهو قلم الطير، فكان معناه: أنا سورنيد ابن شهلوق، بنيت هذه الأهرام فى ستين سنة، فمن أتى بعدى، وزعم أنّه مثلى، فليهدمها فى ستمائة سنة، فإنّ الهدم أيسر من البناء، وإنى لما انتهى العمل منها جعلت (٣) لها عيدا، وكسوتها بالديباج الملوّن، فمن أتى بعدى، وزعم أنّه مثلى، فليكسها (٤) بالحصر إن استطاع لذلك سبيلا.

قال ابن عبد الحكم: لما دخل الأمير أحمد بن طولون إلى مصر، أراد أن يفتح أحد (٥) الهرمين، فحفر حولها على أن يجد شيئا من أبوابها، فبينما هو يغوص فى الرمال، فوجد قطعة كبيرة من مرجان أحمر، وعليها سطور مكتوبة بقلم الطير، فأحضر من له خبرة بهذا القلم، فقرأ ذلك الخطّ، فإذا معناه أبيات شعر، وهى:


(١) وقد أوسعت: ابن إياس يعنى نفسه.
(٢) بانيها: بانيهما.
(٣) جعلت: جعلة.
(٤) فليكسها: فليكسوها.
(٥) أحد: إحدى.