للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما هلك، تولّى بعده ابنه شهلوق، وكان عالما بعلوم الطلسمات، والسحر، فمن ذلك أنّه عمل شجرة من نحاس أصفر، ونصبها فوق الجبل المقطّم، فكان يقسّم بها الرياح إلى البلاد التى يريد الفساد إلى أهلها، فلا يستطيعون بها الإقامة، حتى يأتوا إليه ويدخلوا تحت طاعته.

وفى أيامه ظهر معدن الفضّة فى بلاد البجّة، من أعلا بلاد الصعيد، فأثار منه أشياء كثيرة، فكان جميع أوانيه فضّة، حتى أنعال خيله؛ وهو أول من أظهر عبادة النار، وظهر فى أيامه كنوز مصريم الأول، وأقام شهلوق على ذلك حتى هلك.

ولما مات تولّى بعده ابنه سورنيد، وقيل سورند، وكان عالما بعلوم الكهانة، والسحر، وكان أغنى (١) ملوك مصر، بما ظفر به أبوه (٢) شهلوق من كنوز مصريم؛ قيل إنّ سورنيد هذا عمل مرآة من معادن شتى، فكان ينظر فيها ما يحدث فى الأقاليم من الحوادث، ونصبها فى وسط مدينة أمسوس.

وعمل أيضا صورة امرأة جالسة، وهى من حجر، وفى حجرها صبىّ ترضعه، فكانت الامرأة من نساء مصر، إذا أصابها علّة اللبن، وقلّ لبنها، مسحت ثديها بثدى تلك الصورة، فيدرّ لبنها؛ وإن عسرت ولادة امرأة، مسحت رأس تلك الصورة، فتضع حملها سريعا؛ وإذا وضعت الزانية يدها على تلك الصورة، ارتعدت جميعها، فلا تقدر على الرجوع حتى تتوب من ذنبها؛ ولم تزل هذه الصورة باقية فى مدينة أمسوس، حتى أزالها الطوفان، وقيل إنّ هذه الصورة ظهرت بعد الطوفان، وعبدها أكثر الناس.

قال ابن وصيف شاه: إنّ سورنيد هذا هو الذى بنى (٣) الهرمين العظيمين بمصر، قبل الطوفان بثلثماية سنة، وكانت الكهنة تنذر الناس بأمر الطوفان، فبنى (٤) سورنيد هذه الأهرام، وأودع فيها أمواله وتحفه، وكتبه النفيسة فى العلوم الجليلة، وقال:


(١) أغنى: أغنا.
(٢) أبوه: أباه.
(٣) بنى: بنا.
(٤) فبنى: فبنا.