للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما بلغ السلطان ذلك شقّ عليه، وبعث إليه الأمير ناصر الدين محمد بن آقبغا آص يسأله فى العود إلى القضاء، فنزل له عن لسان السلطان وترفّق له، فأبى من العود إلى الولاية، فرجع إلى السلطان وأخبره بأنّ القاضى أبى من العود، فأرسل إليه الأمير بهادر الجمالى، أمير آخور كبير، فألحّ عليه فى العود، وقال له: «السلطان يسلّم عليك، وحلف إن لم تقبل عنه الولاية، وإلا ينزل إليك هو بنفسه فى هذه الليلة، حتى تقبل عنه الولاية»، وحلف له الأمير بهادر بالطلاق من زوجته أنه سمع السلطان يحلف ويقول: «إن لم تقبل عنه الولاية وإلا نزل إليك هو بنفسه حتى تقبل»، فقال له القاضى: «أنا أجتمع بالسلطان».

ثم ركب من وقته وصعد إلى القلعة؛ واجتمع بالسلطان، فعرض عليه العود إلى ولاية القضاء، فأبى، فلا زال السلطان يتلطّف به، حتى أجاب إلى أن يعود إلى القضاء بعد جهد كبير، واشترط على السلطان شروطا كثيرة، فأجابه إلى ذلك، والتزم له بها قبل الولاية، ثم أحضر له التشريف، فقال القاضى: «اصبر علىّ حتى أستخير الله تعالى فى هذه الليلة، وغدا (١) يكون ما يريده الله تعالى».

فلما كان الغد، يوم الأحد خامس عشرين الشهر، طلع القاضى إلى القلعة ولبس التشريف الصوف، ونزل من القلعة فى موكب حفل، والأمراء قدّامه، وأعيان الناس، فشقّ من القاهرة حتى أتى إلى المدرسة الصالحية، وكان يوما مشهودا، نقل المقريزى (٢) ذلك.

وفيه قرّر الشيخ جلال الدين جار الله، فى تدريس الحنفية بالجامع الطولونى، بعد وفاة ابن التركمانى. - وأخلع على الأمير قارا بن مهنا، واستقرّ فى إمرة العرب، بعد موت أخيه حيار بن مهنا.

وفيه أشيع بين الناس أنّ الأمير منجك اليوسفى، نائب السلطنة، قد مرض واشتدّ به المرض؛ فلما كان يوم الثلاثاء سابع عشرينه، نزل السلطان من القلعة وتوجّه


(١) وغدا: وغدا.
(٢) المقريزى: انظر السلوك ج ٣ ص ٢٤١ - ٢٤٢.