للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيه قدمت أمّ سالم الدكرى أمير التركمان، وقد أتت من نواحى الأبلستين، فقدمت وصحبتها أحمد بن همز (١) التركمانى، أحد الشطّار (٢) الأبطال، وكان أقام دهرا طويلا وهو يقطع الطريق على قوافل العراق، ويأخذ أموالهم ويقتل رجالهم، فضجّ منه التجّار، وكان أعيى (٣) أمره النوّاب بالممالك.

فلما ضاقت على همز (١) الأرض من كثرة تطلّب النوّاب له، اضطربت أحواله، فقدم صحبة أمّ سالم الدكرى، لتشفع فيه عند السلطان، ويدخل تحت طاعته، فقبل السلطان شفاعة أمّ سالم فيه، وأنعم على همز (١) بإقطاع، وجعله من جملة أمرائه، وأنعم على أمّ سالم بأشياء كثيرة، من مال وقماش، وأذن لها فى العود إلى بلادها سريعا، فعدّ ذلك من جملة سعد السلطان.

وفى أواخر هذا الشهر، اشتدّ أمر الغلاء على الناس، وعزّت الأقوات جدّا، حتى قيل كان على باب سجن الديلم معجنة طين (٤)، لعمارة حائط السجن، فأكلوا ذلك الطين المسجونون، من شدّة جوعهم، وعدم القوت، نقل ذلك المقريزى فى السلوك (٥).

وفى شهر شوّال، قدمت الأخبار من الأندلس بوفاة الإمام العالم العلاّمة، الأديب البارع، لسان الدين بن خطيب الأندلسى محمد بن عبد الله بن سعيد بن نصر بن أحمدء ابن على التلمسانى الغرناطى، ثم الأندلسى، المالكى المذهب، وكان فاضلا، ماهرا فى علم الطبّ والفلسفة والأدب والتاريخ، وله عدّة مصنّفات لطيفة مفيدة، منها:

روض الشريف بالحبّ الشريف، والإحاطة فى تاريخ غرناطة، والطبّ لمن حبّ، وغير ذلك من المصنّفات، وكان له شهرة طائلة ببلاد المغرب، وكان رئيسا جليلا، ولى وزارة غرناطة، وحظى عند ملوك الغرب، ثم وقع له ذنب عند بعض ملوك الغرب، فأوجب إراقة دمه، فلما قدّم للقتل، وكان بعد صلاة العصر، أنشأ يقول:


(١) همز: همر. وقد ورد الاسم «همز» بحرف الزاى هنا فيما يلى ص ١٢٩ ب و ١٣٩ ب و ١٤٨ آ و ١٦١ آ و ١٦٢ آ.
(٢) الشطار: كذا فى الأصل، وهو جمع شاطر، والمعنى معروف.
(٣) أعيى: أعيا.
(٤) معجنة طين: يقصد المكان الذى يعجن فيه الطين.
(٥) السلوك: انظر ج ٣ ص ٢٣٥.