ولما فتحت مدينة سيس، وأضيف إليها طرسوس، وقلعة إيّاس، وأدنة، والمصيعة، وغير ذلك من البلاد المجاورة إليها.
وفى هذا الشهر اشتدّ أمر الغلاء جدّا، ومات من الفقراء ما لا يحصى؛ قال المقريزى (١)«كنت إذا مررت بالرملة، أسمع صوت رجل من الفقراء يصرخ بأعلا صوته:
لله لبابة قدر شحمة أدنى أشمّها وخذوها، فلا زال على ذلك حتى مات من شدّة الجوع».
وتوقّفت أحوال الناس من قلّة المكاسب لشدّة الغلاء، وبلغ ثمن الأردب القمح مائة وخمسة وعشرين درهما، والأردب الشعير بتسعين درهما، والأردب الفول بثمانين درهما، وأبيعت البطّة الدقيق بثلاثين درهما، وأكل أكثر الناس خبز الفول، وخبز النحال، وخبز الذرة، وكثر خطف الخبز من الأفران، ومن على الدكاكين، ومن أيدى الناس، من شدّة جوع الناس، وعزّ وجود الدواب لموتها من الجوع.
فلما اشتدّ الأمر انتدب الأمير منجك، نائب السلطنة، لتفرقة الفقراء على الأمراء، وغيرهم من المباشرين، والتجّار، وأعيان الناس، فبعث لكل أمير من الأمراء المقدّمين، مائة فقير، وصار يرسل لكل واحد من مساتير الناس، من الفقراء، على قدر طاقته لكلفتهم.
فلما جرى ذلك، خفت تلك الشناعات التى كانت بين الناس، من خطف الخبز من أيدى الناس، فكانت الأمراء تأوى الفقراء فى مكان، وترتّب لهم فى كل يوم ما يكفيهم من الغداء والعشاء، فأقامت هذه الغلوة على الناس فوق السنتين ونصف، والناس فى غاية الشدّة من ذلك.
وفى شهر جمادى الآخرة، فيه فى ثامن عشره، توفّى رئيس الأطباء صلاح الدين يوسف المغربى، وكان فاضلا فى صنعة الطبّ والكحالة، وكان فى سعة من المال، وهو صاحب الجامع الذى على الخليج الناصرى، بالقرب من قنطرة العسرة،