للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس جميعا رءوسهم، وضجّوا بالدّعاء إلى الله تعالى، وارتفعت أصواتهم بالاستغاثة، وهملت أعينهم البكاء، وكان يوما عظيما، تذهل منه العقول، وهذه ثالث مرّة خرج فيها الناس إلى الاستسقاء.

فلما أصبح يوم الجمعة سادس عشرين هذا الشهر، رسم السلطان بفتح السدّ من غير وفاء، وقد بقى من ذراع الوفاء خمسة أصابع، فلم يجر الماء فى الخلجان إلا قليلا، ووقف، ثم انهبط من يومه جملة واحدة.

فعند ذلك وقع القحط فى القاهرة فى جميع الغلال والبضائع، فبلغ كل أردب قمح مائة وعشرين درهما، وكل أردب شعير ثمانين درهما، وبلغ سعر الرغيف الخبز أربعة دراهم، وبلغ الرطل اللحم الضأن درهمين، والرطل اللحم البقرى درهم ونصف، وبلغ ثمن البيضة عشرة دراهم كل واحدة، وبلغ ثمن الراوية الماء خمسة دراهم؛ ومات فى تلك السنة من الدواب ما لا يحصى من الجوع وقلّة العلف؛ وبلغ ثمن الرمّانة ستة عشر درهما، وغلت سائر البضائع من الأصناف، وصار سمر القمح كلّ يوم يتزايد، وشرق غالب البلاد، واشتدّ البلاء على الناس قاطبة.

فكان فى هذه الأيام يقعد فى وسط الرملة إنسان مغربى، ويرفع صوته، ثم يقول: «اقتلوا سلطانكم، ترخص أسعاركم، ويجرى ماؤكم (١)»، فلما تزايد منه هذا الأمر قبض عليه والى القاهرة، وضربه بالمقارع، وطرده من المدينة.

ثم إنّ السلطان لما رأى الأمر قد اشتدّ، فتح عدّة شون، وفرّقها على الفقراء والمساكين بالويبة؛ ثم رسم بأن تفرّق الفقراء والحرافيش على الأمراء وأعيان التجّار، ففرّقت عليهم، وفيه يقول القائل:

إذا ما قيل نائلة كنيل … فقل هل يستوى مال وماء

فلولا جوده فى مصر غارت … عيون النيل وانقطع الوفاء

واستمرت هذه الشدّة على الناس نحو سنة ونصف، حتى أكلوا خبز الذرة، وخبز النخال. - ثم وقع عقيب ذلك فناء عظيم، حتى بلغ ثمن البطيخة الصيفى مائة


(١) ماؤكم: ماءكم.