للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القاضى تاج الدين النشو الملكى (١).

وفى شهر ربيع الأول، فيه توقّف ماء النيل عن الزيادة، حتى دخل يوم النوروز ولم يف (٢)، وقد بقى على (٣) الوفاء ثمانية أصابع، فزاد من ذلك أصبعين، ثم فى اليوم الثانى منه زاد أصبعين، ثم اليوم الثالث زاد أصبعين، فتأخّر من ذراع الوفاء أصبعان، فلم يزد من بعد ذلك شيئا.

ثم نقص فى يوم الجمعة ثالث عشر النوروز (٤)، فاضطربت أحوال الناس، وتزايد قلقهم، وتكالبوا على مشترى القمح؛ فنودى فى القاهرة للناس بالخروج إلى الاستسقاء، فخرج الخليفة، وقضاة القضاة، والعلماء، والصلحاء، والنّاس قاطبة.

ثم إنّ جماعة من العلماء توجّهوا إلى الآثار النبوى، وأخذوا منه الآثار الشريف، وتوجّهوا به إلى فسقية المقياس، وغسلوه بها مرارا، وقرأوا هناك عدّة ختمات شريفة، وتضرّعوا إلى الله تعالى فى إجراء النيل (٥)، فانهبط فى تلك الليلة خمسة أصابع؛ ثم تكرّر خروج الناس إلى الاستسقاء مرارا، وتزايد الدعاء إلى الله تعالى.

ثم نودى فى القاهرة للناس بصوم ثلاثة أيام متوالية، والمحافظة على الصلوات الخمس، والإقلاع عن المعاصى، والمبادرة بالتوبة، فصام الناس يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء.

ثم فى يوم الخميس خرج الناس إلى الاستسقاء، وتوجّهوا إلى نحو قبّة النصر، وهم حفاة مشاة، ومعهم أطفال وبهائم؛ وخرج طائفة من اليهود، ومعهم التوراة، وطائفة من النصارى ومعهم الإنجيل؛ وخرج الأمير آقتمر عبد الغنى، نائب السلطنة، فى عدّة من الأمراء.

وحضر ابن القسطلانى، خطيب جامع عمرو، ونصب هناك منبر، وصعد عليه، وخطب خطبة الاستسقاء، وحوّل رداءه، وكشف رأسه عند الدعاء، فكشف


(١) الملكى: كذا فى الأصل.
(٢) ولم يف: ولم يفى.
(٣) بقى على: بقى عن.
(٤) ثالث عشر النوروز: كذا فى الأصل، وبقصد ثالث عشر ربيع الأول.
(٥) فى إجراء النيل، يعنى ليجعله يجرى.