للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما تزايد الأمر منهم، ركب الأمير بهادر الجمالى، أمير آخور كبير، وأركب مماليكه، وجماعة من الأوجاقية، وخرجوا من باب السلسلة، وثاروا على العامّة، فوقع بينهم معركة مهولة، فرجمتهم العوام رجما متداركا، فكسروا أمير آخور كبير، ومن معه، كسرة قبيحة، فرجع ودخل إلى باب السلسلة.

فلما تزايد هذا الأمر، رسم السلطان للماليك، الذين (١) فى الطباق، بأن ينزلوا إليهم، فنزلوا إليهم، وحطموا على العامّة، حطمة شنيعة، بالنشاب والرّماح، فقتلوا منهم جماعة كثيرة، وقبضوا على آخرين منهم.

ثم ركب الأمير ألجاى اليوسفى، أمير سلاح، وقسّم الخطط والحارات على الأمراء، وأضاف إليهم جماعة من المماليك السلطانية، وأمر بوضع السيف فى الناس قاطبة؛ وجرت بسبب ذلك خطوب شنيعة، وأمور وضيعة، فقتل فى هذه الحركة من الناس ما لا يحصى عددهم، وذهبت دماؤهم هدرا، وسجنوا آخرين منهم فى الحبوس، وامتدّت أيدى الأتراك إلى العامّة، حتى أنّه كان الجندى يدخل إلى حانوت البيّاع من المتسبّبين، ويذبحه فى دكّانه، ويمضى.

وحكى بعض المماليك أنّه قال: «قتلت بيدى من العوام فى هذه الحركة سبعة عشر رجلا»، وصارت جثث العوام مرميّة فى الطرقات على بعضها؛ فلما بلغ السلطان ذلك شقّ عليه، وقال للأمير بهادر الجمالى، أمير آخور كبير: «عجّلت بالأضحية على الناس»، وأنكر عليه، وعلى الأمراء الذين (١) فعلوا ذلك، وتوعّدهم بكل سوء.

ثم إنّ السلطان أمر بالإفراج عن المسجونين من العوام، ونادى فى القاهرة بالأمان والاطمان، والبيع والشرى، وفتح الأسواق قاطبة، ففتحت على العادة، وسكن ذلك الاضطراب قليلا؛ وهذه الواقعة نقلها المقريزى فى تاريخه المسمّى بالسلوك (٢).

وفيه خلع على الأمير حسام الدين حسين بن الكورانى، والى مصر العتيقة، واستقرّ فى ولاية القاهرة، عوضا عن الشريف بكتمر، بحكم انفصاله عنها.


(١) الذين: الذى.
(٢) السلوك: انظر ج ٣ ص ١٧٣ - ١٧٤.