للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خذ من زمانك ما أعطاك مغتنما … وأنت ناه لهذا الدّهر آمره

فالعمر كالكأس تستحلى أوائله … لكنّه ربّما مجّت أواخره

وكان الأتابكى يلبغا، فى أواخر دولته، تعصّب للسادة الحنفية، بأن يكونوا بمصر أعظم من السادة الشّافعية، فى جميع الأحوال، حتى أنّ جماعة كثيرة من الشافعية تقلّدوا فى أيامه بمذهب الإمام أبى حنيفة، ؛ فلما جرى ذلك قال شخص من العلماء: «رأيت الإمام الشافعى، ، فى المنام، على كتفه مسحاة، فقال له: إلى أين تمضى يا إمام؟ قال: إلى بيت يلبغا العمرى، أهدمه فلا يعمر بعد ذلك أبدا، كونه بهدل مذهبى».

وكذا جرى، فإنّ بيت يلبغا كان فى أعلا الكبش، فلما قتل يلبغا، خرب بيته، ولم يعمر إلى الآن، ولم يسكنه أحد من الأمراء من بعده، ولم بقى [١] يعرف له أثر، وذلك ببركة الإمام الشافعى، ، انتهى ذلك.

ويلبغا هذا، هو صاحب الجامع الذى بدمشق، وهو يعرف به إلى الآن.

ولما قتل الأمير يلبغا، امتدّت أيدى العامة، وأسافل الناس الأجناد، إلى بيوت الأعيان، فنهبوها بحجّة أنّهم من حواشى يلبغا، ونهبوا بيت الوزير فخر الدين ماجد ابن قروينة [٢]، كون أنّه كان من أصحاب الأمير يلبغا؛ ونهبوا بيت الأمير علاء الدين بن الطبلاوى والى القاهرة.

وصار من يريد أن يبلغ من عدوّه ما يريد، يقول عنه إنّه من جماعة يلبغا، فلما [تسمع العامّة بذلك يحتاطوا به ويسلبوه من أثوابه ويقتلوه] [٣]، أو يهرب من أيديهم وينجو [٤] من القتل؛ فنهب فى هذه الحركة من الدور ما لا يحصى عددها، وقتل من الناس جماعة كثيرة، فغلقت الأسواق، وتعطّلت من البيع والشّرى، واختفت


(١٠) ولم بقى: كذا فى الأصل.
(١٥) ابن قروينة: بحرف الراء، كما فى الأصل.
(١٨) تسمع العامة … يحتاطوا … ويلبوه … ويقتلوه: كذا فى الأصل، ويلاحظ الأسلوب العامى فى العبارات التالية.
(١٩) وينجو: وينجوا.