للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى سعة من المال، وكان فى دولة الأشرف شعبان هو صاحب الحلّ والعقد بالديار المصرية.

وكان أصله من مماليك الناصر حسن بن محمد بن قلاون، وعظم أمره فى هذه الأيّام جدّا، حتى قيل بلغ عدّة مماليكه ثلاثة آلاف مملوك (١)؛ فكانوا إذا ركب وطلع إلى القلعة فى أيام المواكب، يصطفّون (٢) صفّين، من بيته الذى بالكبش، إلى سلّم المدرّج، ويشقّ بينهم وهو راكب؛ وكان من مماليكه أربع أمراء مقدّمين ألوف (٣)، غير العشرات.

وكان الوزير فخر الدين بن قروينة (٤) يحمل إليه فى [كل] (٥) يوم من اللحم الف رطل، برسم سماطه؛ وكان مصروف سماطه فى كل يوم ألف دينار، هو وعياله ونساؤه وسراريه وأولاده ومماليكه، بما فيه من طوارى وغير ذلك؛ وكان ضريبته فى كل صحن على سماطه عشرة أرطال من اللحوم الضأن، وإلى الآن يقال عن الصحن الكبير «صحن يلبغاوى».

وإليه ينسب الطراز العريض اليلبغاوى، وهو إلى الآن يسمّى به؛ وإليه ينسب أشياء كثيرة من آلة الحرب إلى الآن.

وكان شديد البأس، صعب الخلق، إذا غضب على أحد لا يرضى عليه أبدا؛ وكان عظمىّ اللسان، قليل الكلام بالعربى؛ وكان سفّاكا للدماء، ولا سيما قتله لأستاذه السلطان حسن، وما فعله به؛ وكان كثير التشويش على مماليكه، ضرب منهم جماعة بالمقارع، وقطع أنوف وآذان جماعة كثيرة منهم، ولهذا تعصّبوا كلّهم على قتله.

ورأى فى أوائل عمره من العزّ والعظمة ما لا رآه غيره من الأمراء؛ وكان الأشرف شعبان فى يده مثل اللّولب، يديره كيف شاء؛ ورأى فى أواخر عمره هذه الموتة الشنيعة، فكان كما يقال فى المعنى:


(١) مملوك: مملوكا.
(٢) يصطفون: يصطفوا.
(٣) أربع أمراء مقدمين ألوف: كذا فى الأصل.
(٤) ابن قروينة: بحرف الراء، كما فى الأصل.
(٥) [كل]: تنقص فى الأصل.