للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن غريب الاتّفاق، أنّ شخصا من الصالحين بشرّ الناس بأخذ مدينة الإسكندرية، من قبل وقوع ذلك بعام، فقال: تؤخذ مدينة الإسكندرية يوم الجمعة ثالث عشرين صفر (١) فى السنة الآتية؛ وكذا جرى كما قاله؛ وكانت هذه الحادثة من أشدّ الحوادث على المسلمين، لم يقع مثلها قط من مبتدأ الإسلام، وفى ذلك يقول الشيخ شهاب الدين بن أبى حجلة، فقال:

ألا فى سبيل الله ما حلّ بالثّغر … على فرقة الإسلام من عصبة الكفر

أتاها من الإفرنج سبعون مركبا … وحاطت بها الفرسان فى البرّ والبحر

وصيّر منها أزرق البحر أسودا … بنو الأصفر الباغون بالبيض والسّمر

أتوا أهلها هجما على حين غفلة … وباعهم فى الحرب يقصر عن فتر

فكم من فقير عاش فيها من الغنى … وكم من غنىّ مات فيها من الفقر

نثرت دموعى يوم فرط نظامهم … فياليت شعرى من يبلّغهم نثرى

فمن يومئذ اختلّت أحوال ثغر الإسكندرية، وتلاشى أمرها، وقلّت أموالها، واختلّ نظامها، ورحل عنها سكّانها.

وفى شهر ربيع الأول، أرسل السلطان إلى الأمراء الذين (٢) توجّهوا إلى ثغر الإسكندرية بأن يقيموا هناك، ويصلحوا ما أفسده الفرنج بمدينة الإسكندرية من حرق الأبواب، وهدم الأسوار، ورجوع النّاس إلى أماكنهم بالمدينة، وكانوا قد هربوا إلى دمنهور، وغيرها من البلاد.

ثم إنّ السلطان عزل خليل بن عرام عن نيابة الإسكندرية، وولّى عوضه الأمير بكتمر الشرفى، أحد الأمراء المقدّمين الألوف (٣)، على نيابة ثغر الإسكندرية، وهو أوّل من ولى من الأمراء المقدّمين على نيابة الإسكندرية، فخرج إليها من يومه، وتوجّه إلى الإسكندرية، وقد قال بعض الشعراء:


(١) صفر: كذا فى الأصل.
(٢) الذين: الذى.
(٣) المقدمين الألوف: كذا فى الأصل.