للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى شهر ربيع الأول، فى سادسه، سقطت إحدى منارات (١) مدرسة السلطان حسن، وهى المنارة الثالثة، التى كانت على الباب، الذى فوق سوق القبو، فهلك تحتها نحو ثلثماية إنسان، والأطفال الأيتام، الذين (٢) كانوا بمكتب السبيل، ومن جملة ذلك جماعة كثيرة من الناس، الذين (٢) كانوا بسوق القبو، والذين كانوا يمرّون بالطريق؛ فتشاءم الناس بذلك، وتطيّروا به لزوال السلطان عن قريب، فكان الأمر كذلك، فلم يقم السلطان بعد ذلك سوى ثلاثة وثلاثين يوما، وقتل.

فلما سقطت المنارة، أخذ الشيخ بهاء الدين السبكى يعتذر عن ذلك، بقوله عن ذلك:

أبشر فسعدك يا سلطان مصر أتى … بشيره بمقال صار كالمثل

إنّ المنارة لم تسقط لمنقصة … لكن لسرّ خفىّ قد تبيّن لى

من تحتها قرئ القرآن فاستمعت … فالوجد فى الحال أدّاها إلى الميل (٣)

لو أنزل الله قرآنا على جبل … تصدّعت رأسه من شدّة الوجل

تلك الحجارة لم تنقض بل هبطت … من خشية الله لا للنّقص والخلل

وغاب سلطانها فاستوحشت فرمت … بنفسها لجوى فى القلب مشتغل

فالحمد لله حظّ العين زال بما … قد كان قدّره الرحمن فى الأزل

لا يعترى البؤس بعد اليوم مدرسة … قد شيّدت لأهيل العلم والعمل

ودمت حتى ترى الدنيا بها امتلأت … علما فليس بمصر غير مشتغل

قال الصلاح الصفدى، فى تاريخه: «إنّ الملك الناصر حسن، لمّا أن أقام بكوم برا، صار بعض الأمراء يرمى الفتن بين السلطان وبين الأمير يلبغا العمرى، الخاصكى، وبلّغوا السلطان أنّ يلبغا يريد قتله، وأنّه لا يدخل إلى الخدمة، إلا وهو لابس آلة الحرب من تحت ثيابه.


(١) منارات: منارتى.
(٢) الذين: الذى.
(٣) الميل: الميلى.