للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم وقع الطاعون بالبصرة، سنة سبع وثمانين من الهجرة، وكان يسمّى «طاعون الفتيات» لكثرة من مات فيه من البنات العذارى الفتيات؛ قال ابن أبى الدنيا عن أم بكراوى، إنها قالت: «خرجنا هاربين من طاعون الفتيات، فنزلنا بالقرب من قرية تسمّى سنام، ونزل إلى جانبنا رجل من العرب، ومعه عشرة من الأولاد، فلم تمض عليه إلا أيام يسيرة، حتى ماتوا بنوه جميعا، فكان يجلس بين قبورهم ويقول:

بنفسى فتية هلكوا جميعا … برابية مجاورة سناما

أقول إذا ذكرت العهد منهم … بنفسى تلك أياما كراما

فلم أر مثلهم هلكوا جميعا … ولم أر مثل هذا العام عاما

فهذه الطواعين الخمسة المشهورة التى (١) وقعت فى صدر الإسلام؛ وأما هذا الطاعون الذى وقع فى دولة السلطان حسن، سنة تسع وأربعين وسبعمائة، فلم يسمع بمثله فيما تقدّم من الطواعين المشهورة، فإنّه عمّ سائر البلاد قاطبة، حتى دخل مكّة المشرّفة، ومات به جماعة من أهل مكّة، وهذا لم يعهد قط، ولا سمع بأن دخل مكّة طاعون.

وكان قوّة عمل هذا الطاعون فى بلاد الفرنج؛ وأقام دائرا فى البلاد نحو سبع سنين، حتى عزّت جميع البضائع، لقلّة الجالب من البلاد؛ وبلغ ثمن الراوية الماء اثنى عشر درهما، بسبب موت الجمال؛ وبلغ طحين الأردب القمح خمسة عشر درهما؛ ولم يزرع من أراضى مصر فى تلك السنة إلا القليل، بسبب موت الفلاحين، وعدم من يزرع الأراضى؛ فوقع الغلاء بمصر، حتى أبيع كل ويبة قمح بمائتى درهم، وكادت مصر أن تخرب فى تلك السنة من الغلاء والفناء.

وقد وقع الطعن أيضا فى القطط والكلاب والوحوش، ولقد رئيت أشياء كثيرة من الوحوش، وهى مطروحة فى البرارى، وتحت إبطها الطواعين؛ وكذلك الخيول والجمال والحمير، وسائر الحيوان، حتى الطيور، كالنعام وما أشبه ذلك.


(١) التى: الذى.