فلما تزايد أمر الطاعون بالديار المصرية، وخرج عن الحدّ، أشارت العلماء أنّ الناس تخرج قاطبة إلى الصحراء، تحت الجبل الأحمر، ويفعلوا كما يفعلون فى الاستسقاء؛ فخرجت الناس قاطبة، واجتمعوا تحت الجبل الأحمر، وضجّوا إلى الله تعالى بالدعاء، أن يرفع عنهم الطاعون.
ثم إنّ شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقينى، خرج وهو ماشى على أقدامه، من بيته الذى فى حارة بهاء الدين، والناس حوله يذكرون، حتى أتى إلى الجامع الأزهر، وكان ذلك يوم الجمعة، فخطب بالناس خطبة بليغة، وأمرهم بالتوبة من ذنوبهم، وابتهل الناس إلى الله تعالى بالدعاء؛ فلما رجعوا من الجامع، وأصبحوا، تزايد أمر الطاعون وفشى فى القاهرة، حتى جاوز الحدّ فى ذلك.
ومما روى فى بعض الأخبار عن النبى، ﷺ، أنّه لم يثبت عنه أنّه دعا برفع الطاعون عن أمّته، بل ثبت أنّه دعا به وطلبه لأمّته، وكان إذا بعث جيشا إلى الشام، قال:«اللهم ارزقهم الشهادة طعنا وطاعونا».
وقد تمسّك بعض العلماء بقول الإمام الرافعى، والإمام النواوى:«إنّ القنوت يشرع فى سائر الصلوات عند نزول نازلة تقع»؛ وقد تمسّك جماعة من العلماء بالدعاء برفع الوباء: ولكن الطاعون أخصّ من الوباء، فلهذا شرع الدعاء برفع الوباء، دون الطاعون.
وقيل إنّ معاذ بن جبل، ﵁، امتنع من الدعاء فى طاعون عمواس، فلو كان الدعاء جائزا برفعه، لما امتنع من الدعاء برفعه معاذ بن جبل، ﵁، انتهى ذلك.
وقد أوردت عدّة مقاطيع، بما قالته الشعراء فى أمر الطاعون، فمن ذلك قول الصلاح الصفدى:
لما افترست صحابى يا عام تسع أربعينا … ما كنت والله تسعا، بل كنت سبعا يقينا