للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطاعون «طاعون الأشراف» لكثرة من مات فيه من أشراف الناس.

ووقع الطاعون بالبصرة، سنة سبع وستين من الهجرة، وهو المسمّى «بالجارف»، وقع فى زمن عبد الله بن الزبير، وإنما سمّى بالجارف، لأنّه صار يجرف الناس، كما يجرف السيل فى الأرض، حتى قيل، مات فى يوم واحد من أهل البصرة، سبعون ألفا، ومات فى اليوم الثانى، أحد وسبعون ألفا، ومات فى اليوم الثالث سبعون ألفا، وفى اليوم الرابع، لم يمت فيه من الناس إلا القليل، فسبحان القادر على كل شئ.

قال الواقدى: مات فى هذا الطاعون لأنس بن مالك، ، ثلاثة وثمانون ولدا فى ثلاثة أيام، وكان قوّة عمل هذا الطاعون فى شهر رمضان؛ وفى رواية أن أنس بن مالك، ، رزق من صلبه مائة وأربعة وعشرين ولدا.

قال ابن أبى الدنيا: لما تزايد أمر الطاعون الجارف، عجز الناس عن دفن موتاهم، فكانت الوحوش تدخل إلى البيوت، وتأكل من لحوم الموتى، فكانت الناس يسدّوا (١) على الأموات باب الدور، حتى لا تدخل إليهم الوحوش.

قال أحمد بن عصام: حدّثنى معدى عن رجل يكنى أبا الفضل، وكان قد أدرك هذا الطاعون، قال: كنا نطوف فى القبائل وندفن الموتى؛ فلما كثر الموت كنا ندخل الدار فنرى قد مات أهلها جميعا، فنسدّ عليهم باب الدار، فدخلنا دارا فلم نجد فيها أحدا (٢) من الأحياء، فسددنا عليهم باب الدار، فلما ارتفع الطاعون جئنا إلى دار ففتحنا سدّة الباب، فلم نجد فيه أحدا (٢) من الأحياء، وإذا نحن بغلام فى وسط الدار ملقى على قفاه، عمره نحو شهر، أو أكثر من ذلك، فوقفنا نتعجّب من أمره، وإذا نحن بكلبة قد دخلت من شقّ حائط فى الدار، فجعلت ترضع ذلك الغلام، والغلام يألف إليها ويمصّ من ثديها؛ قال معدى: فانتشى ذلك الغلام، وكبر، وطلعت لحيته، ورأيته يمشى فى جامع البصرة، والناس تتحدّث فى أمره.


(١) يسدوا: كذا فى الأصل.
(٢) أحدا: أحد.