للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما وصل بين القصرين، نزل عن فرسه، وزار قبر والده قلاون، ثم طلع إلى القلعة، وقدّامه الأمراء مشاة، وبين يديه الأسارى الذين (١) أسروا من عسكر غازان، وهم فى زناجير حديد، وصناجق غازان منكسة، وكانت هذه النصرة على غير القياس، «وما النصر إلا من عند الله».

قيل، لما حصلت هذه النصرة، عمل الأمير بيبرس الفارقانى، وهو صاحب الحمّام التى تجاه مدرسة الأمير علاء الدين أيدكين البندقدارى هذه القصيدة فى الملك الناصر لما انتصر؛ وكان الأمير بيبرس الفارقانى أميّا لا يقرأ ولا يكتب، وكان يزن الشعر بالطباع، وينظم منه ما لا تمجّه الأسماع، ومن القصيدة الموعود بذكرها هذه الأبيات:

إذا ما شئت أن تحيا هنيئا … فبادر للصناجق والبنود

ترى من تحتها ملكا هماما … وفيّا بالمواثق والعهود

هو الضرغام خوّاض المنايا … إذا ما الحرب تسعر بالوقود

أتى مثل الغمام بجيش مصر … وكوسات كأصوات الرعود

لها وقع ترنّ الأرض منه … وترعد منه آفاق الوجود

وأسياف لها لمع كبرق … تقد بها العظام مع الجلود

فلا برحت يداه فى عداه … مصرفة بإسعاف السعود

ولا زالت ملوك الأرض طرا … له ما عاش أمثال العبيد

انتهى ذلك، وإنما أوردنا هذه القصيدة هنا، ليعلم السامع أنّ فى الأتراك من لا يخلو عن فضيلة.

قيل لما انكسر عسكر غازان، غنم منه عسكر السلطان غنائم (٢) كثيرة، من خيول وسلاح وبرك، كما غنم عسكر غازان من عسكر مصر، لما انكسر الملك الناصر تلك المرّة، والمجازاة من جنس العمل، كما قد قيل فى المعنى:


(١) الذين: الذى.
(٢) غنائم: غنائما.