للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما جرى ذلك، رجع كتبغا إلى دمشق فى نفر قليل من العسكر؛ فلما دخل دمشق، احتوى الأمير لاجين على خزائن المال، وركب تحت العصائب السلطانية، وقصد التوجّه إلى مصر؛ وأما العادل كتبغا لما رجع إلى دمشق، أقام بقلعة دمشق، وأطاعه عسكر دمشق، وتعصّبوا له.

فما عن قليل حتى جاءت الأخبار من القاهرة بأنّ لاجين قد تسلطن، وتلقّب بالملك المنصور؛ فعند ذلك تلاشى أمر العادل كتبغا، وانفلت عنه الناس، وانحلّ برمه.

فأقام على ذلك أياما، ثم حضر إلى دمشق الأمير حسام الدين لاجين، أستادار العالية، وعلى يده مراسيم شريفة لقضاة دمشق، وللأمراء الذين (١) هناك، بأن يجتمعوا فى دار السعادة، ويقرأوا مراسيم السلطان لاجين على الملك العادل كتبغا.

فحضر القاضى بدر الدين بن جماعة الشافعى، وبقية (٢) القضاة، وطلبوا الملك العادل كتبغا، فحضر، وقرأوا عليه مراسيم السلطان لاجين، بأن يخلع نفسه من السلطنة، ويتوجّه إلى صرخد، ويقيم بها، وله ما يكفيه من النفقة فى كل يوم؛ فأجاب بالسمع والطاعة، وخرج من يومه إلى صرخد وهو معزوز مكروم، ومعه عياله ومماليكه وغلمانه وبركه، وتوجّه إلى صرخد فأقام بها.

فكانت مدّة سلطنته بالديار المصرية، إلى أن خلع من السلطنة، سنة وعشرة أشهر إلا أياما، واستمرّ مقيما بصرخد إلى سنة تسع وتسعين وستمائة.

فلما عاد الملك الناصر محمد بن قلاون إلى ملكه ثانى مرّة، أنعم على الملك العادل كتبغا بمملكة حماة وأعمالها؛ وكان الناصر محمد يميل إلى كتبغا، دون مماليك أبيه.

واستمرّ كتبغا فى حماة إلى أن مات بها، وكانت وفاته فى ليلة عيد النحر من سنة اثنتين وسبعمائة، فى دولة الناصر محمد بن قلاون، ودفن بحماة، ثم نقل من بعد ذلك إلى دمشق، ودفن بسفح جبل قاسيون.


(١) الذين: الذى.
(٢) وبقية: وبقيت.