للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى أيام العادل كتبغا، فى جمادى الأولى سنة خمس وتسعين وستمائة، توفّى قاضى قضاة الشافعية، تقىّ الدين عبد الرحمن بن القاضى تاج الدين بن بنت الأعزّ، وقد أقام قاضيا بمصر نحو عشر سنين ونصف.

ولما مات تقىّ الدين، أخلع السلطان كتبغا على الشيخ تقىّ الدين أبى الفتح محمد ابن مجد الدين على بن وهب بن مطيع القشيرى القوصى، المعروف بابن دقيق العيد، ، فاستقرّ قاضى قضاة الشافعية بالديار المصرية، عوضا عن تقىّ الدين بن (١) بنت الأعزّ.

قال السبكى فى «الطبقات»: لما تولّى ابن دقيق العيد، تولّى على كره منه، وعزل نفسه عن القضاء غير مرّة، وكان السلطان كتبغا، والسلطان لاجين، يقبّل يده على اللحم، كلما طلع إليه، فلم يلتفت له؛ ولما تولّى أخلع عليه خلعة حرير مخمل، وكانت هذه عادة خلع القضاة، وغيرهم من أرباب الوظائف، فامتنع الشيخ من لبس الحرير، وقال: «هذا حرام لا يجوز لبسه»، وأمر أن تكون خلع القضاة من الصوف، فاستمرّت من يومئذ خلع القضاة صوفا إلى الآن، انتهى ذلك.

وفى هذه السنة، أعنى سنة ست وتسعين وستمائة، انتهت زيادة النيل إلى خمسة عشر ذراعا وثمانية أصابع (٢)، ثم انهبط، ولم يوفى فشرقت البلاد، ووقع الغلاء بمصر.

وكان الملك العادل كتبغا، قصير القامة، أسمر اللون، أجرود اللحية، وكان موصوفا بالشجاعة، وكان ديّنا خيّرا، قليل الأذى، سليم الباطن، ومات وله من العمر نحو ثلاثة وستين سنة.

ومن صفاء نيّته، كان سببا لخلاص الأمير لاجين من القتل، وشفع فيه عند الملك الناصر من القتل، لأنّ لاجين كان ممن تعصّب فى قتل الأشرف خليل، فلما تسلطن كتبغا جعله نائب السلطنة، وفوّض إليه أمور المملكة.

وكان لاجين باغيا (٣) على كتبغا، وخلعه من السلطنة من غير موجب، وكان


(١) تقى الدين بن: تقى الدين بن بن.
(٢) أصابع: أصبعا.
(٣) باغيا: باغى.