للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

متحدثا على الدواوين، وصارت المسلمون تقف فى خدمته ويخضعون إليه. ومنها أنه كان يكره الفقهاء وطلبة العلم بالطبع، وعزل القضاة الأربعة ونوّابهم قاطبة، ومنع الشهود أن لا يجلسوا فى الحوانيت ويتقاضوا أشغال الناس.

ومنها أنه كان يكره المماليك الجراكسة، ويعوّق جوامكهم ستة أشهر، ثم يصرف لهم شهرين بألف جهد. ومنها أنه شوّش على جماعة من أعيان المباشرين وضربهم وبهدلهم، وعوّقهم (١) فى الترسيم نحو خمسة أشهر، ولا سيما ما جرى على الشهابى أحمد بن الجيعان، فإنه أسلب نعمته وأخذ منه فوق السبعين ألف دينار، حتى باع جميع أملاكه وقماشه ورزقه، وبقى على الأرض البيضاء. ومنها أنه ندب يوسف بن أبى الفرج وقرّره فى وظيفة يقال لها مفتش الرزق الجيشية، فحصل للناس منه غاية الضرر الشامل. ومنها أنه أرسل فخر الدين بن عوض إلى بلاد الصعيد ومسح الرزق الأحباسية وأدخلها فى الديوان، ولم يفرج عنها، وحصل للناس بسبب ذلك غاية الضرر، فقيل إنه أخرج ألفا وثمانمائة رزقة، منهم من كان على الزوايا والمساجد والترب وغير ذلك.

ومنها أنه كان سببا لخراب الديار المصرية، ودخول سليم شاه بن عثمان إلى مصر، وحسّن له عبارة بأخذ مصر، وضمن له أخذها من غير مانع، وعرّفه كيف يصنع، حتى ملكها وجرى منه ما جرى، وقتل الأمراء والمماليك (٢) الجراكسة، وشنق السلطان طومان باى على بابى زويلة، وكل ذلك بترتيبه ودولبته. وكان كثير الحيل والخداع والمكر، وكان من دهاة (٣) العالم، لا يعلم له حال، ولو ذكرت مساوئه كلها لطال الشرح فى ذلك. وقد قلت فيه هذه الأبيات عن لسان خاير بك.

أصبحت بقعر حفرة مرتهنا … لا أملك من دنياى إلا كفنا

يا من وسعت عباده رحمته … من بعض عبيدك المسيئين أنا

فلما تحقّق الناس موت ملك الأمراء ارتجّت المدينة، وأشيع أن التركمان ينهبون الأسواق، فانتقل سكان الجسر من بركة الرطلى على لمح البصر، ووزّع الناس أمتعتهم


(١) وعوقهم: ويعوقهم.
(٢) والمماليك: ومماليك.
(٣) دهاة: دهاء.