وانعكف المسطول فى الدار، وأقيمت الحدود، وعطلت البدود، فعند ذلك دعانى بعض أصدقائى إلى محله، وأنزلنى بين عياله وأهله، واعتذر إلى تقصّره فى إكرامى، وانحصاره إذ لم يأتنى بمرامى، وقال: قد غلب على ظنّى أنّ أبا مرّة قد مات، وعدّ من الرفات، فقم بنا نبكيه، ونصف الحالة، ونرثيه، فابتدأت، وقلت فى المعنى:
مات يا قوم شيخنا إبليس … وخلا منه ربعه المأنوس
ونعانى حدسى به إذ توفّى … ولعمرى مماته محدوس
هو لو لم يكن كما قلت ميّتا … لم يغيّر لأمره ناموس
أين عيناه تنظر الخمرة إذ … عطل منها الراووق والمحريس
ومواعينها تكسّر والخمّار … من بعد كسرها محبوس
وذوو القصف ذاهلون وقد … كادت على سيلها تسيل النفوس
كم خليع يقول ذا اليوم يوم … مثل ما قيل قمطريرا عبوس
وفتى قائلا لقد هان عندى … بعد هذا فى شربها التّجريس
أين عيناه تنظر المزر وقد … أوحش منه الماجور والقادوس
وعجين البقول قد بدّدوه … وهو بالترب خلطه مبسوس
والقنانى مكسّرات كما قد … كسرت فى دجى الليالى الكؤوس
أين عيناه والحشائش تحرقن … بنار تراع منها المجوس
قلعوها من البساتين إذ ذاك … صغارا خضراء وهى عروس
والحرافيش حولها يتباكون … وهذا يطفى لهذا الوطيس
ذا ينادى رفيقه يا عنيكر … بل وهذا يصيح يا بغنوس
أسمر الكرك بين الأكواس يسعى … وهو كزكى بكل حسّ يموس
أين عيناه تنظر المقاصف والحانة … قد هدّمت دراها الفوس
وترى زنكلون يزعق زيتون … وناتوا يصيح يا جاموس
أين شكشاكتى وطاجنة الغار … وأين المزراق والدبوس