للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى يوم الاثنين سادس عشره نفق ملك الأمراء على المماليك الجراكسة، وكان لهم خمسة أشهر جامكية منكسرة، وقد ضاع عليهم عليق أربعة أشهر، فنفق عليهم فى ذلك اليوم شهرين وأخّر لهم ثلاثة أشهر، فأضرّ ذلك بحالهم. فلما اجتمع العسكر ليقبض الجامكية فى الميدان، فنزل لهم المقر الشهابى أحمد بن الجيعان والقاضى بركات المحتسب وابن أبى أصبع، فقالوا للمماليك الجراكسة: ملك الأمراء يقول لكم إنه مسافر بعد الربيع، فالذى له قدرة على السفر يعمل يرقه، والذى ما له قدرة على السفر لا يأخذ جامكية ويقعد يستريح. فلما سمع العسكر ذلك اضطربت أحوالهم، ثم إن ملك الأمراء جلس فى شباك الدهيشة وأرسل خلف المماليك الجراكسة، فلما طلعوا ووقفوا بين يديه استدعاهم واحدا بعد واحد، وصار يختار من كل عشرة مماليك واحدا، الذى يجده شابا وله قدرة على السفر فيبقيه على جامكيته، والذى يجده من الشيوخ العواجز يوقف جامكيته، فأبطل فى ذلك اليوم نحو ألف مملوك (١) من المماليك الجراكسة وأولاد الناس وغير ذلك، وفيهم من هو من الأغوات من مماليك الأشرف قايتباى، فتزايدت قسوته فى ذلك اليوم عليهم.

ومما وقع فى ذلك اليوم من النوادر الغريبة أن ملك الأمراء لما عرض المماليك الجراكسة، فصار كل من رآه من المماليك لحيته طويلة يقصّ منها نحو نصفها ويعطيها له فى يده، ويقول له: امشوا على القانون العثمانى فى قصّ اللحاء، وتضييق الأكمام، وكلما يفعلونه العثمانية. فنزلوا المماليك الجراكسة من القلعة فى ذلك اليوم وهم فى غاية النكد مما جرى عليهم من كسر قلوبهم. وكان سبب قطع جوامك جماعة من المماليك الجراكسة أن الديوان كان يومئذ فى غاية الانشحات، وقد كثر العسكر وصار المال يقسم على سبعة طوائف من العسكر، ما بين أمراء عثمانية، وطائفة من الأصبهانية، وطائفة من الأنكشارية، وطائفة من الكمولية، وطائفة من الأمراء الجراكسة، وطائفة من المماليك الجراكسة، ومماليك ملك الأمراء طائفة سابعة، فكان يصرف فى كل شهر لطائفة الأصبهانية أحد عشر ألف دينار، ويصرف لطائفة الأنكشارية فى كل شهر


(١) مملوك: مماليك.