للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقلافطة أتوا يشتكون (١) فى الشاد على المراكب الذى عمّرها ملك الأمراء فى الروضة بأنه قد ظلمهم وجار عليهم، فلما كثر منهم الضجيج رسم ملك الأمراء لمن حوله من الأنكشارية بضربهم، فتشتّتوا أجمعين.

فلما طال المجلس بين ملك الأمراء وبين مشايخ العلم الذين (٢) حضروا، فكان من جوابه للشيخ شمس الدين اللقانى المالكى: يا سيدى الشيخ أنا أخاف على رقبتى أكثر من أرقابكم، امضوا باسم الله. فقاموا من عنده وهم فى غاية القهر، يتعثّرون فى أذيالهم، ولم يلتفت إلى أقوالهم، فقال له بعض الفقهاء الذين (١) حضروا: نحن نسافر إلى السلطان سليمان نصره الله تعالى، ونخبره بما يفعل فى مصر. فتنكّد ملك الأمراء فى ذلك اليوم بعد ما كان منشرحا، ثم قام من هناك وطلع إلى القلعة، وخرج القاصد من هناك وتوجّه إلى السفر من يومه وسافر إلى إسطنبول. فلما رجعوا الفقهاء من عند ملك الأمراء، قامت الأشلة والدائرة على ملك الأمراء، وكثر الدعاء عليه بسبب عقود الأنكحة، وقصدوا يغلقون أبواب الجوامع والمساجد.

فلما جرى ذلك أرسل ملك الأمراء الزينى أبا الوفا الموقّع يأخذ بخاطر الشيخ شمس الدين اللقانى، فقال له: لا تؤاخذ ملك الأمراء فإنه لم يكن يعرفك.

وأرسل على يدى الزينى أبى الوفا الموقّع مائتى دينار وأربعة بقرات، ففرّقت على مجاورين (٣) جامع الأزهر، وأرسل مثل ذلك إلى مقام الإمام الشافعى والإمام الليث ابن سعد ، وأرسل مثل ذلك [إلى] الزوايا التى بالقرافة، وإلى مزار السيدة نفيسة ، وغير ذلك من الزوايا والمزارات والمساجد، وقصد أن يستجلب خواطر العلماء والفقهاء بما فعله من الأفعال الشنيعة، ليمحو (٤) ذلك بذلك، وهذا من المحالات. فكان كما يقال فى المعنى:

جفاء جرى جهر الذى الناس وانبسط … وعذر أتى سرّا فأكّد ما فرط

ومن ظن أن يمحو (٥) جلّى جفائه … خفىّ اعتذار فهو فى غاية الغلط


(١) يشتكون: يشتكوا.
(٢) الذين: الذى.
(٣) مجاورين: كذا فى الأصل.
(٤) ليمحو: ليمحوا.
(٥) يمحو: يمحوا.