للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على منابر بلاد الشيخ عامر، واستمرّ على ذلك، ولم يدخل تحت طاعة الخوندكار سليم شاه بن عثمان لما ملك الديار المصرية، ولم يخطب باسمه ولا ضرب السكة باسمه هناك، فلم يزل (١) نائب جدّة يتحيّل عليه حتى قتله وحزّ رأسه وأرسلها إلى القاهرة، فعرضت على ملك الأمراء وهو بالميدان. ثم إن ملك الأمراء أشهر تلك الرأس فى القاهرة ومعها رأس أخرى قيل إنها رأس دواداره أو وزيره، ثم علقّت تلك الرءوس على باب النصر. وكان إسكندر هذا شجاعا بطلا مقداما فى الحرب قوى القلب، ملك بلاد الشيخ عامر واحتوى على أمواله وفرّقها على عسكره، وجعل له أمراء وحجّابا ودوادارية، ولولا احتالوا عليه حتى قتلوه لما كانوا يقدرون عليه من شجاعته وحيله.

وفيه وقع نادرة غريبة، وهو أن حضر قاصد من إسطنبول إلى الشام ثم حضر إلى القاهرة، فلما استقرّ بها أظهر مراسيم من عند السلطان سليمان وأحضر معه ذراعا من الحديد يزيد (٢) على الذراع الهاشمى الذى تتعامل به أهل مصر بخمسة قراريط، وأحضر معه سنج نحاس وأرطال على طريقة إسطنبول، وأشيع أن السلطان سليمان بن عثمان رسم بإبطال الذراع والسنج التى (٣) تتعامل بها أهل مصر، وأن التجّار وأرباب البضائع لا يتعاملون إلا بهذا الذراع وهذه السنج. فامتثل ملك الأمراء ذلك بالسمع والطاعة، ورسم للقاضى بركات المحتسب بأن ينادى فى القاهرة حسبما رسم الخوندكار بإبطال الذراع الهاشمى من مصر واستعمال الذراع الإسطنبولى، فنزل المحتسب مع الوالى ونادى فى القاهرة بذلك. ثم إن القاضى المحتسب كتب قسائم على التجّار قاطبة بأنهم لا يبيعون ولا يشترون إلا بهذا الذراع الإسطنبولى، فشقّ ذلك على التجّار وأرباب البضائع، فلما أشهر المحتسب المناداة بذلك وأن كل من خالف مرسوم الخوندكار فى ذلك شنق على دكانه من غير معاودة، ثم صارت رسل المحتسب تطلع إلى دكاكين التجّار التى (٣) فى الأسواق وتأخذ الأذرعة الحديد التى عندهم فى الدكاكين وتكسّرها وترميها على الطريق، فاضطربت القاهرة فى ذلك اليوم


(١) فلم يزل: فلم يزال.
(٢) يزيد: يزد.
(٣) التى: الذى.