للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاحترقوا وصاروا كالرماد، فاضطربت القاهرة فى ذلك اليوم أشدّ الاضطراب حتى كادت أن تخرب، وقصدوا العوام أن يرجموا القضاة. وقتلوا هؤلاء النصارى وأحرقوا بالنار بغير حكم حاكم، ولم يثبت عليهم فى الشرع قتل، وفعل ذلك الأعوام بيدهم جهلا وعدوانا.

وفى يوم الخميس ثالث عشرينه توجه ملك الأمراء إلى نحو الجزيرة التى تجاه الجيزة بالقرب من المقياس، وأقام بها فى ذلك اليوم على سبيل التنزّه، فأرسل إليه القاضى بركات المحتسب هناك مدّة حافلة، فتغدّى ملك الأمراء هناك ورسم بأن الذى فضل من المدّة يحمل إلى القلعة، وقد فضل من المدّة أشياء كثيرة، ثم إن ملك الأمراء أخلع على القاضى بركات المحتسب قفطان مخمل مذهبا وشكر له ما صنعه من أمر تلك المدة.

وفى يوم الأحد سادس عشرينه فيه وقعت كاينة عظيمة للشيخ عبد المجيد ابن الطرينى، وذلك (١) أن ملك الأمراء تغيّر خاطره عليه بسبب أنه كان قسّط عليه الدين الذى تقدّم ذكره، فلم يعط (٢) أصحاب الديون شيئا مما قسّطه عليه، فشكوه إلى ملك الأمراء ثانيا، فأرسل خلفه، فلما حضر بين يديه قال له: ألم أقسّط عليك ذلك الدين فى كل شهر وقرّرت معى أنك ترضى أصحاب الديون فلم تفعل من ذلك شيئا؟ فلم ينطق فى ذلك بحجّة، فحنق منه ملك الأمراء فرسم بضربه، فبطح على الأرض وضرب ضربا مبرحا، حتى قيل ضرب ست نوب تبدّلت عليه حتى كاد أن يموت، ثم وضعه فى الحديد وأرسله إلى بيت الوالى ليعصره فى أكعابه بحضرة أصحاب الديون، فرقّ له الوالى وأرسله لسجن الديلم، فسجن به وهو فى الحديد فى عنقه، فاستمرّ فى السجن بالحديد إلى أن يكون من أمره ما يكون، وقد عجز عن وفاء ما عليه من الديون، حتى قيل تجمّد عليه من الديون نحو سبعين ألف دينار للتجار الأروام وغيرها. وفى ذلك اليوم تزايد غضب ملك الأمراء على الشيخ عبد المجيد بن الطرينى حتى كاد أن يوسّطه من شدة غضبه عليه، وكان الشيخ عبد المجيد من أعيان الناس وله برّ ومعروف، حتى قيل كان يصنع فى كل يوم


(١) وذلك: وكذلك.
(٢) فلم يعط: فلم يعطى.