للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكونها نصرة شراها … سلطان ذا العصر بالنفايس

وبعد فى رودس ستبدو … وتمحقا أهلها النجايس

وهو بسيف الإله نصر … فى عنق المشركين مايس

ومن الحوادث الشنيعة ما وقع بوم الجمعة سابع عشره، وهو أن القاضى بشر أحد نواب الحنفية أخذ تدريسا فى المدرسة القجماسية وسكن هناك، فلما زيّنت القاهرة أتى إلى بيت هناك ثلاثة مباشرين من النصارى ليتفرّجوا على الزينة، فسكروا هناك سكرا فاحشا وتجاهروا بالمعاصى حتى خرجوا فى ذلك عن الحد، فأرسل القاضى بشر ينهاهم عن ذلك، فما سمعوا له شيئا وتزايد الحال (١) منهم، فجاء إليهم بنفسه وأغلظ عليهم فى القول وسبّهم، فسبّوه وأفحشوا فى السبّ له، وسبّوا دين الإسلام عن ما قيل، فأرسل القاضى بشر من قبض عليهم وتوجّه بهم إلى المدرسة الصالحية، وحضر قضاة القضاة الأربعة، وكان ذلك اليوم يوم الجمعة قبل الصلاة. فلما حضر قاضى القضاة المالكى محيى الدين بن الدميرى قامت عنده البيّنة بما وقع من النصارى فى حق القاضى بشر الحنفى، فتوقّف القاضى المالكى فى قتل النصارى، ثم قال:

يجب عليهم الحدّ والتعزير، فإنهم كانوا سكارى لا عقول لهم. وكذلك قال بقية القضاة، فلما سمع القاضى بشر ذلك، ورضى الدين بن الدهانة الحنفى، كبروا على القضاة وأغلظوا فى القول على قاضى القضاة المالكى. واجتمع بالمدرسة الصالحية الجمّ الغفير من الأعوام، فهمّوا بأن يرجموا القضاة فى ذلك اليوم، وما حصل على قاضى القضاة المالكى فى ذلك اليوم خير من ألسنة الأعوام. ثم إن بعض الأنكشارية قبض على النصارى وأخرجهم من المدرسة الصالحية، فلما خرجوا بهم من باب الصالحية قطّعوهم الأنكشارية بالأطبار قطعا قطعا، ثم إن النصرانى الثالث أسلم وحماه بعض الأنكشارية من القتل. فلما قطعت النصارى اجتمع السواد الأعظم من الأعوام بباب المدرسة الصالحية وأخذوا رقم النصارى وأحرقوهم (٢) تحت شباك المدرسة الصالحية، وأطلقوا فيهم النار، وأخذوا السقايف التى على الدكاكين ووضعوهم عليهم وأشعلوهم بالنار


(١) الحال: حال.
(٢) وأحرقوهم: كذا فى الأصل، وتلاحظ عامية الأسلوب.