للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشترى عشاه وغداه من الطباخ فى زبدية، ويحملها بنفسه على يده من السوق وهو لابس كبنك لبّاد أبيض وقاسى شدائد ومحنا (١). وأخبروا عن زين العابدين بن قاضى القضاة الشافعى كمال الدين الطويل أنه تسحّب من إسطنبول ولم يعلم له خبر من حين خرج منها، وكانت جماعة من الشاويشية ينصبون على من هناك من الأسراء من أهل مصر ويقولون لهم: نحن نسافر بكم من إسطنبول فى الخفية ونتوجّه بكم إلى مصر. فلما يخرجون بهم من إسطنبول يقتلونهم فى الطريق ويأخذون ما معهم من مال وقماش، وقد فعلوا مثل ذلك بكثير من أهل مصر ممن كان بإسطنبول، ولم يعلم لهم خبر إلى الآن.

وفى يوم السبت خامس عشر شهر رمضان قدمت الملكة خاتون، عمة السلطان سليمان بن عثمان، وولدها مصطفى صحبتها، وأشيع أنها قدمت إلى مصر تروم الحجّ إلى بيت الله الحرام، فأكرمها ملك الأمراء غاية الإكرام وأنزلها فى مكان مطلّ على بركة الفيل، ورتّب لها فى كل يوم أسمطة حافلة لها ولجماعتها الذين (٢) قدموا معها من بلاد الروم.

وفى يوم الخميس عشرينه وقع فيه كاينة يحيى بن ظلام، وكان يتجر فى السكّر وله مطبخ يعمل فيه السكّر، فاستمرّ على ذلك مدّة طويلة، ثم إنه بعد ذلك انكسر وتجمّد عليه جملة ديون عظيمة، بحيث أشيع عنه أن تجمد عليه نحو أربعين ألف دينار، فلما انكسر طالبوه أصحاب الديون، وكان المال لأقوام من تجار خان الخليلى وغيرها، فلما طال الأمر عليهم شكوه إلى ملك الأمراء، فرسم عليه ملك الأمراء جماعة من الأنكشارية حتى يرضى أصحاب الديون فى حقوقها، فاستمر فى الترسيم مدّة طويلة. وكان ملك الأمراء قرّر عليه وألزمه بأن يرد لأصحاب الديون فى كل شهر خمسة آلاف دينار، فما قدر على ذلك وعجز عن إيراد ذلك القدر، وكان ملك الأمراء حلف يمينا برأس السلطان سليمان بن عثمان إن لم يرض (٣) أصحاب الديون فى حقوقها وإلا يوسّطه، فلما ضاق الأمر عليه خنق نفسه تحت الليل وأصبح ميتا،


(١) شدائد ومحنا: شدايدا ومحن.
(٢) الذين: الذى.
(٣) لم يرض: لم يرضى.