للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالله أبى الصبر يعقوب بن أمير المؤمنين عبد العزيز المتوكل على الله، وكان مولده سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، وأمه تسمى آمنة، وهى ابنة أمير المؤمنين أبى الربيع سليمان بن محمد المتوكل على الله، فهو هاشمىّ الأبوين. وكان ريّسا حشما ديّنا خيّرا صالحا ليّن الجانب متواضعا، ولى الخلافة فى دولة الملك الناصر محمد بن الأشرف قايتباى، وأقام فيها إحدى عشرة سنة ونصف، وبايع أربعة من السلاطين، ثم صرف عن الخلافة فى دولة الغورى وعهد إلى ولده محمد المتوكل على الله وقاسى شدائد ومحنا (١)، وقد تقدّم ذكر ذلك. وكان حصل له ضعف فى بصره وكفّ فى أواخر عمره، وكان أمّيا لا يقرأ ولا يكتب، وكان رجلا مباركا لم يعهد له صبوة قط، ومات وله من العمر نحو ثمانين سنة أو دون ذلك، وكان ولده غائبا فى إسطنبول من حين نفاه السلطان سليم شاه بن عثمان. ولما مات رثاه الأديب البارع ناصر الدين محمد بن قانصوه من صادق بهذه المرثية وأجاد:

رشق الموت فى مرامى القلوب … من قسىّ الجوى سهام الكروب

يا لها من سهام كرب عظيم … فى مرامى الحشا (٢) برمى مصيب

صيّرت دورنا خرابا وصرنا … بعد عزّ مذلّة للخطوب

يا لها من مذلّة بعد عزّ … صيّرتنا من عظمها فى لغوب

أين خير الأنام والآل والصحب … وأين الملوك أهل الحروب

قد قضى الله بالممات عليهم … مثلما قد قضى على يعقوب

الذى كفّ من فراق مناه … وتلقّى البلاء عن أيوب

غاب عنه ابنه فمات بحزن … كمدا من يطيق فقد الحبيب

أين عبد العزيز أعنى أمير ال … مؤمنين النجيب ابن النجيب

صاحب العهد بالخلافة والعق … د مع الحل واللوا والقضيب

قلب صبرا على الذى جلّ لما … حلّ فذا شأن ذا الزمان العجيب

هاشمىّ أبا وأما وهذا … غاية المجد للحسيب النسيب


(١) شدائد ومحنا: شدايدا ومحن.
(٢) الحشا: الحشى.