للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحسن إليهم غاية الإحسان، فلما أشيع عن جان بردى الغزالى نائب الشام أنه قد تسلطن هناك وتلقّب بالملك الأشرف، فتسحّبوا هؤلاء المماليك من مصر وتوجّهوا إلى الشام ودخلوا تحت طاعة الغزالى، فلما انكسر الغزالى وقتل وجرى له ما جرى حضروا هؤلاء المماليك واختفوا فى القاهرة فغمز عليهم، فلما بلغ ملك الأمراء ذلك أرسل الوالى قبض عليهم وأحضرهم إلى بين يديه، فلما مثلوا بين يديه وبّخهم بالكلام فأغلظ عليه فى القول ماماى الساقى، فحنق منه فرسم بقطع رقابهم بين يديه. ورسم للوالى بأن كل من كان عند الغزالى من المماليك وحضر إلى مصر يوسّطه من غير إذن ولو كان من الأمراء. واشتدّ غضب ملك الأمراء فى ذلك اليوم جدا بحيث إنه حمّ جسده فى ذلك اليوم، ولزم الفراش وانقطع عن الخروج إلى المحاكمات ثلاثة أيام، وأشيع أنه قد طلع له تاسليك فى مشعره واشتدّ الألم عليه، وصار يتصدّق بمبلغ له صورة على الزوايا والمزارات، وصار يذبح الذبائح من الأبقار على أبواب الجوامع الكبار، ويتصدّق بلحومها على المجاورين بالجوامع والزوايا.

وفى يوم الثلاثاء سابع عشره نودى فى القاهرة عن لسان ملك الأمراء: معاشر الناس كافة إن كل من كان عنده مملوك من المماليك الجراكسة ممن كان عند الغزالى نائب الشام وأخفاه ولا يقرّ به، شنق على باب داره من غير معاودة. وصارت هذه المناداة تتكرّر فى كل يوم نحو ثلاثة أيام، على لسان أربعة مشاعلية، اثنان بالتركى واثنان بالعربى، وقد اضطربت الأحوال فى هذه الأيام (١) إلى الغاية بسبب جان بردى الغزالى نائب الشام، فمن الناس من يقول (٢) إنه باق فى قيد الحياة وإن الرأس التى قطعت غير رأسه، ومن الناس من يقول (٢) إنه قتل فى الوقعة التى كانت على القابون وحزّت رأسه وأرسلت إلى إسطنبول، والأصحّ أنه قتل على القابون من ضياع الشام وحزّت رأسه، وهذه الواقعة تقرب من واقعة قانصوه خمسمائة لما شكّوا الناس فى قتله

وفى يوم الخميس تاسع عشر ربيع الآخر فيه كانت وفاة أمير المؤمنين المستمسك


(١) الأيام: أيام.
(٢) يقول: يقل.