ولما كان بالشام التفّ عليه الجمّ الغفير من العساكر، ما بين بان جبل نابلس والكرك وغير ذلك، والتفّ عليه جماعة كثيرة من المماليك الجراكسة وصاروا يخرجون من مصر فى الخفية ويتوجّهون إليه، والتفّ عليه طائفة من التركمان والأكراد، حتى اجتمع معه نحو اثنى عشر ألف مقاتل، وفيهم رماة بالبندق الرصاص نحو خمسمائة رام (١)، وقيل أكثر من ذلك. فعند ذلك حدّثته نفسه بالسلطنة، وثوّرته الجهلة وحسّنوا له ذلك، فتسلطن وتلقّب بالملك الأشرف وقبّلوا له الأرض هناك، وخطب باسمه على منابر دمشق جمعتين، وكل ذلك عين الغلط، وكم من عجلة أعقبت ندامة، فكان كما قيل:
والنفس لا تنتهى عن نيل مرتبة … حتى تروم التى من دونها العطب
فلما تحقّق ملك الأمراء خاير بك بأن الغزالى قد تسلطن بالشام وقبّلوا له الأرض هناك وتلقّب بالملك الأشرف، اضطربت أحواله وسرّت المماليك الجراكسة بذلك واستبشروا بالفرج، ويا فرحة لا تمّت، أقول: وكان أصل الأمير جان بردى الغزالى من مماليك الأشرف قايتباى، اشتراه وأعتقه وأخرج [له] خيلا وقماشا وصار من جملة المماليك السلطانية، ثم إن الأمير تغرى بردى الأستادار قرّره شادا فى ضيعة بالشرقية يقال لها منية غزال، فنسب إليها وقيل له الغزالى مضافا لاسم تلك الضيعة، ثم إن الأشرف قايتباى جعله جمدارا وقرّره فى كشف الشرقية، ثم بقى أمير عشرة فى أواخر دولة الناصر محمد بن قايتباى، ثم بقى محتسب القاهرة فى دولة السلطان الغورى عوضا عن الأمير قرقماس المقرى، ثم إن الغورى قرّره فى حجوبية الحجّاب بحلب فخرج إليها من يومه وذلك بعد وقعة مصر باى لما انكسر. ثم إن الغورى نقله من حجوبية الحجّاب بحلب إلى نيابة صفد وذلك فى سنة سبع عشرة وتسعمائة، ثم نقله من نيابة صفد إلى نيابة حماة وذلك فى سنة ثمان عشرة وتسعمائة فاستمرّ فى نيابة حماة إلى أن توجّه السلطان الغورى إلى حلب وانكسر وجرى له ما [جرى]، فرجع الغزالى صحبة العسكر إلى مصر فوجد الأشرف طومان باى