للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن أشيع بين الناس واستفاض أن قانصوه خمسمائة الذى تسلطن قد ظهر بعد مضى هذه المدة الطويلة، وأنه باق (١) فى قيد الحياة، وقد تغيّرت هيئته عما (٢) كان وصار له ذؤابة شعر فى رأسه وقد ابيضّت لحيته. فكان من ملخّص هذه الواقعة أن شخصا من أبناء العجم كان يرسل إلى ابنة قانصوه خمسمائة التى كانت زوجة أنصباى حاجب الحجّاب، ويقول لها: أنا أبوكى. فترسل إليه ما يتنفّق به، فأقام على ذلك مدة طويلة، ثم إنه حضر إليها تحت الليل صحبة طواشى، فطلع إلى باب السلسلة وكانت تزوّجت بأمير آخور كبير مملوك ملك الأمراء. فلما فشا أمره ولم يعرفه أحد من حاشية ابنة قانصوه خمسمائة، فبلغ ذلك زوج ابنة خمسمائة فقبض عليه ووضعه فى الحديد وسجنه فى البرج الذى بباب السلسلة حتى يعرضه على ملك الأمراء ويتبيّن ما يكون من أمره. وقد أنكر ذلك الناس قاطبة فإن قانصوه خمسمائة له نحو ثلاث وعشرين سنة من حين قتل عند خان يونس الذى بالقرب من غزّة، وكان من أمره ما كان مع الأمير أقبردى الدوادار وقطع رأسه هناك وأرسلها إلى الملك الناصر محمد بن الأشرف قايتباى، وعلّقت على باب زويلة أياما، فكان أمر وجوده من الأمور المستحيلة التى لا تقبلها العقول السليمة بعد هذه المدة الطويلة.

وفى شهر ذى الحجة فيه كان مستهلّ الشهر يوم الخميس فطلع القضاة الأربعة وهنّوا ملك الأمراء بالشهر، ثم عادوا إلى دورهم. - فلما كان يوم السبت ثالثه نزل ملك الأمراء إلى الميدان وجلس به، وأحضر مماليك الأشرف قايتباى، ثم أحضر ذلك الشخص الذى زعم أنه قانصوه خمسمائة، فإذا هو شخص أعجمى مربوع القامة أبيض اللحية وله ذؤابة شعر فى رأسه، فقال ملك الأمراء للحاضرين من مماليك الأشرف قايتباى: أهذا قانصوه خمسمائة الذى كنتم تعهدونه؟ فقال العسكر قاطبة:

ليس هذا قانصوه خمسمائة وهذا قصير القامة أخضر اللون. ثم إن ملك الأمراء ضيّق على ذلك الشخص الذى زعم أنه قانصوه خمسمائة وعيّن له القتل، فاعترف أنه ليس هو قانصوه خمسمائة، فقال له ملك الأمراء: فما حملك على ذلك؟ قال: الفقر والفاقة


(١) باق: باقى.
(٢) عما: عنما.