للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى يوم الخميس تاسع عشره خرج المحمل الشريف من القاهرة فى تجمل عظيم، وكان ذلك اليوم مشهودا. وكان أمير ركب المحمل فى هذه السنة الأمير برسباى دوادار ملك الأمراء، فطلّب طلبا حفلا يشتمل على محاسن كثيرة كما هى عادة الأطلاب القديمة، وشقّ من القاهرة فى موكب حفل، وقدّامه جماعة من الأمراء الجراكسة والعثمانية وأعيان المباشرين، والجمّ الغفير من الأنكشارية يرمون بالنفوط وجماعة من القواسة، وخرج صحبته سنيح عظيم من الزاد والماء، وكانت الحجّاج قليلا لأجل غلوّ العليق، والكرى مشتطّ فى هذه السنة إلى الغاية.

وفى شهر ذى القعدة كان مستهلّ الشهر يوم الثلاثاء، فطلع القضاة الأربعة إلى القلعة وهنّوا ملك الأمراء بالشهر، ثم رجعوا إلى دورهم. - وفيه فى يوم الأربعاء ثانى الشهر حضر قاصد من عند الخندكار ابن عثمان، فأشيع بين الناس أن سبب حضور هذا القاصد أن الخليفة محمد المتوكل على الله لما توجّه إلى مدينة إسطنبول فتوجّه صحبته أولاد ابن عمه خليل، وهما أبو بكر وأحمد، فوقع بينهم وبين الخليفة هناك، فرافعوه عند الخندكار بأنه لما كان بمصر قعد على ودائع كثيرة، ما بين مال وقماش الذى أودعوه عنده الأمراء الذين (١) قتلوا، وأخذ من خوند زوجة السلطان طومان باى وأمها مالا له صورة، وكذلك أخذ من نساء الأمراء المقدّمين الذين (١) قتلوا من الأموال ما لا ينحصر، ولم يطالع الخندكار على شئ، وتكلّموا فى حقّه بالباع والذراع وما أبقوا فى ذلك ممكنا، فاعتدل الخندكار على الخليفة المتوكل على الله وانحطّ قدره عنده، وساعدت الوزراء أولاد خليل عند الخندكار. وكان الخليفة لما أقام بإسطنبول أظهر فتكا زائدا، وأنهم العيش واشترى له جوارى (٢) بضر بن بالجنك، ثم إنه قطع معلوم أولاد ابن عمه فشكوه إلى الخندكار، فحنق من الخليفة ورسم بأن يكون إقطاع الخلافة وجهاتها تقسم بينهم ثلاثة أثلاث من الجميع بالسوية، فأرسل هذا القاصد يحاسب لهم عن ذلك. فلما حضر القاصد رسّم على مباشرى (٣) الخليفة وعلى دواداره برد بك، وقال لهم: قيموا لنا حساب معلوم أولاد خليل من حين مات


(١) الذين: الذى.
(٢) جوارى: جوار.
(٣) مباشرى: مباشرين.