للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يضعون (١) أيديهم على بلاد الأوقاف ويستخرجون (٢) منها الأموال ولا يفرجون (٣) عنها إلا بعد جهد كبير لمن يأخذون (٤) برطيله. وكانوا إذا قرّروا مع ملك الأمراء شيئا فى أمر البلاد يطاوعهم على الفساد، ويقول لهم: افعلوا ذلك. وهو فى أيديهم مثل اللولب يدوّرونه كيف شاءوا. وكان الوقت قد صفا لهم وصاروا هم المتصرّفون فى أحوال المملكة بما يختارونه، فأخذهم الله أخذا وبيلا، ولم يجدوا لهم من المقدّر سبيلا، وتكدّرت معايشهم بعد الصفا، وخانهم الدهر بعد ذاك الوفا، وقد قلت فى المعنى:

إذا صفا الدهر يوما … إلى التكدّر يرجع

هل من لبيب تراه … بأيسر الرزق يقنع

فليعتبر (٥) من يشاهد … لمصرع بعد مصرع

وفيه قدمت الأخبار من دمشق بأن الحاج الشامى قد استولوا عليه العربان، وقد عوّقوهم عن الدخول إلى الشام ونهبوا أموالهم وجمالهم، وغنموا منه أموالا لها صورة، فلما بلغ الأمير جان بردى الغزالى نائب الشام ذلك خرج إلى العربان من يومه، وخرج صحبته نائب غزّة بعساكر غزّة، ونائب الكرك، فاتّقع مع العربان وانتصر عليهم وقتل منهم جماعة كثيرة، وغنم أموالهم وما كانوا غنموه من الحاج الشامى وهو شئ لا ينحصر، فاحتاط على جميع ما معهم وهربوا من وجهه إلى الجبال وخلّص ما كان أسروه من رجال ونساء وصبيان وغلمان، فكان له الشكر على ذلك.

وفيه تزايد الضرر من الأصبهانية فى حقّ الناس، وصاروا يخطفون النساء من الطرقات، وكذلك الصبيان المرد، حتى قيل إنهم خطفوا امرأة عند سلّم المدرسة المؤيدية (٦) وقت الظهر، وفسقوا بها جهارا عند سبيل المؤيدية تحت دكّان الذى يبيع الكعك، والناس ينظرون إليهم وهم يفسقون بها ولم يجسر أحد من الناس أن يخلّصها منهم. ثم صاروا يقطعون الطريق فى البرّ والبحر ويأخذون ضيافات الناس من الغنم والبقر والأوز والدجاج وغير ذلك، ويقطعون الطريق أيضا على المتسبّبين


(١) يضعون: يضعوا.
(٢) ويستخرجون: ويستخرجوا.
(٣) يفرجون: يفرجوا.
(٤) يأخذون: يأخذوا.
(٥) فليعتبر: فاليعتبر.
(٦) المؤيدية: المؤيده.