للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانوا فيها سلمت من الغرق فسار بها الهواء (١) إلى نحو جزيرة إقريطش، فخرج عليهم الفرنج فأسروهم أجمعين وأخذوا أموالهم، فطلعوا إلى جزيرة إقريطش وهم عرايا حفايا مكشّفين الرءوس. فاستمرّوا يمشون على أقدامهم فى جزيرة إقريطش نحو سبعة أيام حتى أعيوا من المشى وتورّمت أقدامهم وأشرفوا على الموت مرارا. فأما الشرفى يونس نقيب الجيش فإنه مرض هناك ومات ودفن بجزيرة إقريطش، وأما علاى الدين ناظر الخاص فإنه مرض وأعيى عن المشى حتى حمله بعض الفرنج على أكتافه، وكذلك أبو البقا ناظر الاسطبل (٢) وفخر الدين بن عوض، فاستمرّوا على ذلك مدّة (٣) سبعة أيام حتى وصلوا إلى صاحب جزيرة إقريطش، فلما رآهم أحسن إليهم وأكساهم وأقاموا عنده مدّة طويلة، ثم بعد ذلك جهّزهم وأرسلهم إلى إسطنبول، هكذا أشيع والعلم عند الله تعالى.

فلما ثبت موت هؤلاء المباشرين طاف نعيهم فى القاهرة ودقّوا عليهم بالطارات، وكان هؤلاء المباشرون تزايد ظلمهم وضيّقوا على الناس بسبب أوقافهم ورزقهم وإقطاعاتهم، ولا سيما ما فعله فخر الدين بن عوض فى جهات الغربية من وجوه الظلم، فكثر عليهم الدعاء من الناس «وسيعلم (٤) الذين ظلموا أىّ منقلب ينقلبون»، فكان كما يقال:

فاستغن بالسمع عن مرآهم عظة … فأصبحوا لا ترى إلاّ مساكنهم

وصاروا يفتحون (٥) على الناس أبواب المظالم شيئا بعد شئ، ووضعوا أيديهم على البلاد قاطبة حتى على الأوقاف التى (٦) على الجوامع والمدارس والمساجد والزوايا، وضاع على الناس خراجهم وحصل لهم الضرر الشامل، ثم إنهم أبطلوا الإقطاعات التى بالمناشير وأدخلوها فى ديوان السلطان، ثم فى السنة الثانية أوقفوا الرزق التى بالمربعات الجيشية التى (٦) بيدى أولاد الناس والنساء وغير ذلك وصاروا


(١) الهواء: الهوى.
(٢) الاسطبل: الاصطبل.
(٣) مدة: منذ.
(٤) وسيعلم: وسيعلموا.
(٥) يفتحون. يفتحوا.
(٦) التى: الذى.