للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخمر فى رءوسهم طفح ما كان فى قلوبهم من الغدر، فقال فايق بك لكمشبغا الوالى: الجراكسة خاينين. وأجرى ذكر جان بردى الغزالى بما لا يليق، فقال له كمشبغا الوالى: الله يعلم من هو الذى خان منا نحن أو أنتوا، وقد كتبتوا أمانكم فى أوراق وفرّقتوها على الأمراء ووضعوها على رءوسهم وطلعوا عليكم بالأمان، فغدرتوهم وقتلتوهم، فمن خان نحن أم أنتوا؟ ثم تزايد بينهما الكلام الفجّ حتى خرجا فى ذلك عن الحدّ، فوثب فايق بك على كمشبغا الوالى بخنجر ليقتله، فجاءت الضربة فى قفطانه فانخرق، فوثب كمشبغا على فايق بك ليقتله، فحال بينهما بعض الحاضرين.

ثم ركب كمشبغا وركب جماعة من المماليك الجراكسة وسلّوا أسيافهم، وركب فايق بك وجماعة من العثمانية وسلّوا أسيافهم وقصدوا الوثوب على بعضهم، وكادت أن تكون فتنة عظيمة تذهب فيها الأرواح. فتنكّد ملك الأمراء لذلك وركب على الفور، وحال بين الفريقين وخمّد هذه الفتنة قليلا، ورسم للعثمانية أن يمضوا من على طريق مصر العتيقة، ومضى هو والمماليك الجراكسة والأمراء من على طريق القرافة، واستمرّ على ذلك حتى طلع إلى القلعة من الميدان، فما رأى نفسه فى القلعة وفى عينه قطرة وقد اضطربت أحواله وخاف أن هذه الفتنة تتّسع، فقيل إنه حلف لا يشرب خمرا فى هذه السنة. واستمرّت النفوس معمّرة بالشرّ بين فايق بك وبين كمشبغا الوالى، وهذه الحادثة أوّل حوادث سنة خمس وعشرين وتسعمائة (١)، ثم إن ملك الأمراء بعد وقوع هذه الحركة انحجب عن الناس ثلاثة أيام لم يظهر لأحد من الناس من شدّة نكده مما قاساه فى ذلك اليوم.

وفى يوم الاثنين ثانى عشرينه خرجت الخيمة المدوّرة إلى بركة الحاج بسبب الملاقاة، فلما أقامت المدوّرة هناك يوما وليلة أشيع أنها رجعت إلى القاهرة، وسبب ذلك أن الزينى بركات بن موسى أرسل هجانا إلى ملك الأمراء وأخبره أن الحجّاج وصلوا (٢) إلى عين القصب، وأنهم فى غاية ما يكون من الأنكاد بسبب موت الجمال والغلاء وفتنة العربان، فتنكّد الناس لذلك ورجع من كان طلع إلى بركة الحجّاج من الملاقيين. -


(١) وتسعمائة: تسعمايه.
(٢) وصلوا: كما وصلوا.