للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على سرعة نقضه لحكمه فى الحال، فعدّ ذلك من النوادر الغريبة فى شناعتها، وصارت الوحشة عمّالة بين قاضى القضاة المالكى والحنفى فى الباطن، فنزل قاضى القضاة الحنفى من القلعة فى ذلك اليوم وهو فى غاية التعفيش. - وفى عقيب ذلك عزل قاضى القضاة الشافعى كمال الدين الطويل نوّابه أجمعين، ولم يبق منهم سوى أربعة أنفس لا غير، فاستمرّوا على ذلك مدّة ثم إنه فوّض لبعض جماعة من أعيان نوّابه ممن اختاره.

وفى مستهل هذا الشهر أخلع ملك الأمراء على القاضى عبد العظيم الصيرفى (١) وقرّره فى نظر الحسبة الشريفة نائبا عن الزينى بركات بن موسى إلى أن يحضر من الحجاز، فلما ولى القاضى عبد العظيم أمر الحسبة أظهر النتيجة العظمى (٢) فى انحطاط سائر الأسعار فى البضائع، بعد ما كانت قد اشتطّت الأسعار فى تلك الأيام وصارت غلوة كبيرة بمصر، واضطربت أحوال الناس وارتفع الخبز من الأسواق وغلقت الطواحين وارتجّت بسبب ذلك القاهرة، وكان عقيب خروج الحجّاج وسفر (٣) المحتسب، فجارت السوقة على الناس فى سعر البضائع. فلما ولى القاضى عبد العظيم صار يطوف القاهرة فى كل يوم ثلاث مرار، وشرع يضرب الطحّانين والخبّازين ضربا مبرحا ويشهرهم فى القاهرة، وكذلك (٤) السوقة والزيّاتين وصار يوعدهم بالشنق والخوزقة حتى انحطّت أسعار البضائع قليلا وسكن ذلك الاضطراب الذى كان بمصر. ثم رسم للجبّانين والسماكين بأن يقلوا بالسيرج الطرى دائما، وكتب قسائم على المعصرانيين أن لا يصنعوا الزيت الحلو أبدا، ثم نادى فى القاهرة بتسعير اللحم الضانى والبقرى والجبن (٥) المقلى والجبن الأبيض وسائر البضائع جميعها، ثم سعّر الدقيق وجعل كل بطّة بثلاثة عشر نصفا، وكانت البطّة الدقيق حصّلت (٦) إلى ستة عشر نصفا كل بطّة، فنفع الناس غاية النفع بعد ما صار بمصر غلوة شديدة، فارتفعت الأصوات له بالدعاء من الناس قاطبة. ثم أحضر القزّازين والتجّار وعمل معدّلهم فى بيع الغزل والمقاطع الخام وسائر


(١) الصيرفى: الصرفى.
(٢) العظمى: العظماء.
(٣) وسفر: وسافر.
(٤) وكذلك: وكذاك.
(٥) والجبن: وجبن.
(٦) حصلت: وحصلت.