للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على غير رضا. وقيل إن ناظر الخاص لما حجّ فى السنة الخالية أنعم على العربان وأرباب الأدراك بألف جوخة، حتى رجع بالحاج وهو سالم وبيّض وجهه عند الناس.

وفى شهر ذى القعدة كان مستهلّ الشهر يوم الجمعة، فطلع القضاة الأربعة للتهنئة بالشهر، فلما تكامل المجلس وقع تشاجر بين قاضى القضاة المالكى محيى الدين يحيى ابن الدميرى وبين قاضى القضاة نور الدين على الطرابلسى الحنفى، فتفاوض الكلام بينهما حتى خرجا فى ذلك عن الحدّ بسبب وقف الأمير يشبك من مهدى الدوادار الكبير، فإنه أشرط فى وقفه بالنظر والتكلّم للأمير تغرى بردى الأستادار، وأنه يدخل من شاء ويخرج من شاء من المستحقين، فاستمرّ على ذلك حتى توفى الأمير تغرى بردى فسعت (١) ابنة يشبك الدوادار من عند قاضى القضاة عبد البرّ بن الشحنة فى إبطال ما كان شرطه والدها للأمير تغرى بردى، ويجعل لها النظر على ذلك والتحدث على وقف والدها وحكم بنفسه فى ذلك، وقد ساعدها السلطان الغورى، فلما ثبت ذلك على القاضى عبد البرّ وحكم به وأبطل ما كان شرطه الأمير يشبك لتغرى بردى، فلما توفى قاضى القضاة عبد البرّ وتوفيت ابنة يشبك، فسعى جماعة من معاتيق الأمير يشبك الدوادار من عند قاضى القضاة الحنفى نور الدين الطرابلسى فنقض (٢) ما كان حكم به قاضى القضاة عبد البرّ وحكم بما أشرطه الأمير يشبك الدوادار لتغرى بردى، وحكم بصحته وتبع فى ذلك شرط الواقف.

فلما جرى ذلك عزّ على بقية القضاة ذلك كونه نقض حكم قاضى القضاة عبد البرّ، فحضر فى ذلك اليوم شخص من أولاد عبد البرّ وقال لقاضى القضاة نور الدين الطرابلسى: أتنقض حكم شيخ الإسلام عبد البرّ وأنت من بعض طلبته؟ وساعدته قضاة القضاة على ذلك وحطّ عليه ملك الأمراء خاير بك، وكان المجلس كله عليه، فما وسعه فى ذلك المجلس إلا أنه قال: رجعت عن حكمى وأبقيت حكم قاضى القضاة عبد البرّ على ما كان عليه. فشهدوا عليه فى ذلك المجلس بإبطال ما كان حكم به، فعدّ ذلك ناقصة عظيمة فى حقّ قاضى القضاة نور الدين الطرابلسى، ولاموه الناس


(١) فسعت: سعت.
(٢) فنقض: فنقظ.