من القلعة بعد صلاة الصبح، ومنهم من هو راكب على بغلة ومنهم من هو راكب على حمار، فشقّوا بهم من الصليبة وتوجّهوا بهم إلى بولاق، وحولهم جماعة من الأنكشارية مشاة بالسيوف فى أوساطهم، والصوباشى الذى هو متسفّر عليهم راكب قدّامهم، فكثر عليهم الأسف والحزن والبكاء من الناس، فكان عدّتهم سبعة أنفس وهم: القاضى علاى الدين بن الإمام ناظر الخاص والشرفى يونس النابلسى الأستادار والقاضى بركات أخو شرف الدين الصغير كاتب المماليك والقاضى فخر الدين ابن عوض والقاضى أبو البقا ناظر الاسطبل ومستوفى ديوان الخاص والشرفى يونس نقيب الجيش والأمير يوسف البدرى وزير الديار المصرية وكاشف الغربية ومحتسب القاهرية المعزية، وكان من أعيان الرؤساء بالديار المصرية وأصله من مماليك الأمير يشبك من مهدى الدوادار وقدّمه للأشرف قايتباى، ولا زال يرقى حتى رأى من العزّ والعظمة غاية العلا وجرى عليه بعد ذلك شدائد ومحنا (١) وآخر الأمر نفى إلى إسطنبول.
فلما وصلوا هؤلاء إلى بولاق نزلوا بقصر ناظر الخاص الذى هناك حتى تنتهى أشغالهم. فحصل لنساء القاضى أبى البقا والقاضى بركات كاتب الرجع على أزواجهن غاية الحزن فقاموا نعيهم ودقّوا عليهم بالطارات، وكذلك زوجة يوسف البدرى وبقية المباشرين، وكانت هذه الحادثة من أشنع الحوادث التى لم يقع قط مثلها فيما مضى من الزمان. فاستمرّوا بقصر ناظر الخاص ببولاق إلى يوم الاثنين عشرين شوال، فنزلوا فى المراكب فتوجّهوا إلى ثغر الإسكندرية. وكان هؤلاء المباشرون لما صفا لهم الوقت طاشوا وصاروا هم الملوك بمصر، يتصرّفون فى أمور المملكة بما يختارونه، ليس على يدهم يد، واستغرقوا فى اللذّات وانعكفوا على شرب الخمور وسماع الزمور ولم يتفكّروا فى عواقب الأمور، فاستمرّوا على ذلك حتى طرقتهم هذه الطوارق الرديّة وأحاطت بهم كل رزيّة، فكان كما يقال فى المعنى:
من يرتشف صفو الزما … ن يغصّ يوما بالكدر
ثم فى عقيب ذلك سافر إلى إسطنبول الناصرى محمد بن الأوزة لاعب الشطرنج