من تسعة عشر ذراعا وانهبط سريعا، ولم يزد فى بابه غير خمسة أيام ونقص ولم يزد فى بابه شيئا، وكان نيلا شحيحا من مبتداه إلى منتهاه. - وفى ذلك اليوم نزل ملك الأمراء وشقّ من القاهرة، وقد بلغه أن قاصدا حضر من عند الخندكار ابن عثمان فنزل إلى ملتقاه. فلما شقّ القاهرة ضجت إليه العوام من قلّة الخبز فى الأسواق، وانطلقت ألسن العوام فى حقّ ملك الأمراء بالكلام الفجّ، وقالوا له: انظر فى أحوال المسلمين نور الله تعالى، ألاّ يصير ذلك فى ذمّتك. فتنكّد ملك الأمراء فى ذلك اليوم إلى الغاية، وكان صحبته الزينى بركات بن موسى المحتسب، فقاسى فى ذلك اليوم من ملك الأمراء ما لا خير فيه، وقال له: قد غفلت عن أحوال الناس حتى صارت غلوة بمصر. ثم إن ملك الأمراء لما طلع إلى القلعة رسم بفتح شونتين وأن تفرّق على الطحّانين ففعل ذلك.
ويوم الثلاثاء سلخ شهر رمضان أرسل ملك الأمراء أمير علم إلى بيت الأمير قايتباى الدوادار، وقال له: قد رسم لك ملك الأمراء بأن تدقّ على بابك فى هذه الليلة طبلخاناه وكوسات. فلما سمع ذلك الأمير قايتباى أرسل يقول لملك الأمراء:
أدقّ الطبلخاناه على بابى دايما والاّ فى هذه الليلة فقط؟ فلما عاد هذا الجواب على ملك الأمراء قال: قل له فى هذه الليلة فقط. فلما بلغ الأمير قايتباى ذلك لم يوافق على دقّ الطبلخاناه على بابه فى هذه الليلة فقط وقال: أدقّ الطبلخاناه على بابى ليلة واحدة حتى تضحك علىّ الناس. وامتنع من ذلك ولم يدقّ الطبلخاناه على بابه فى تلك الليلة. وقد بطل أمر دقّ الطبلخاناه من على أبواب الأمراء من حين دخل ابن عثمان إلى مصر، [وحتى ولا ملك الأمراء كانت تدقّ له كوسات بالقلعة فى مدة نيابته بمصر، وقال: ما أمشى إلا على طريقة ابن عثمان](١). وقد قلت من أبيات:
لهفى على الكوسات كم دقّت على … باب بسعد أميره قد بشّرا
وفى شهر شوال كان عيد الفطر يوم الأربعاء، فخرج ملك الأمراء وصلّى صلاة العيد فى جامع القلعة، وخطب به قاضى القضاة كمال الدين الشافعى. وانفضّ موكب العيد
(١) وحتى … ابن عثمان: كتبها المؤلف فى الأصل على الهامش.