للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القلعة، وكانوا نحو أربعمائة إنسان. وكان أشيع أن ملك الأمراء خاير بك يستقلّ بمملكة مصر بمفرده، ويجعل الخطبة والسكّة باسمه حسبما رسم الخندكار بن عثمان، فلم تصحّ هذه الإشاعة وخمدت كأنها لم تكن، واستمرّ نائبا على حكمه. وكانت هذه الإشاعة من الكلام المختلق من جملة كذب الناس، فصار غالب أهل مصر فى هذه الأيام يختلقون الكلام الكذب، ويشيعونه بين الناس بما يختارونه، ثم يبطلون ذلك الكلام وينقضونه ويأتون بكلام غيره، والكل ليس له صحة وهو من جملة الكذب المختلق، وقد قال القائل فى المعنى:

أبناء مصر مقالهم عجب … تواتر الصدق منه مرفوض

مقالهم لا يزال مختلفا … وكله ناقض ومنقوض

ولما حضر جانم الحمزاوى، أشيع بين الناس أن السلطان سليم شاه لما أقام بالشام رسم لقاضى القضاة الشافعى محب الدين بن قاضى القضاة شهاب الدين بن فرفور، بأن يتقلد بمذهب الإمام أبى حنيفة ، وترك مذهب الإمام الشافعى، وأشيع أن لا يحكم بالشام غير قاضى قضاة حنفى لا غير، كما هى عادته فى بلاده إسطنبول، وأبطل من الشام المذاهب الثلاثة، فتفاءل الناس له بسرعة الزوال عن قريب. وأشيع أنه أبطل الوكلاء والرسل من أبواب القضاة ونوّابهم، فلما بلغ ملك الأمراء خاير بك ذلك رسم لقضاة القضاة بمصر أن يخفّوا من نوّابهم، فرسم لقاضى القضاة الشافعى بخمسة من النوّاب، وقاضى القضاة الحنفى بأربعة من النوّاب، وقاضى القضاة المالكى بثلاثة من النوّاب، وقاضى القضاة الحنبلى من النوّاب اثنين، من غير زيادة على ذلك.

ثم إن ملك الأمراء خاير بك رسم لنوّاب القضاة أن يبطلوا الرسل والوكلاء من المدرسة الصالحية وأن نوّاب القضاة لا يحكمون إلا فى بيوتهم من غير رسل ولا وكلاء، فلم يتمّ هذا الأمر ولا سمعوا له شيئا.

ومما حدث فى هذه الأيام من الحوادث الشنيعة أن شخصا من أمراء ابن عثمان صار يجلس على تكة بباب المدرسة الصالحية يسمّونه المحضر وحوله جماعة من الأنكشارية، فكان لا يقضى أمر من الأحكام الشرعية حتى يعرض عليه، فكان